رغم توقعات الكثير من خبراء الاقتصاد اتجاه البنك المركزى رفع أسعار الفائدة بعد قرار الفيدرالى الأمريكى برفع أسعار الفائدة 75 نقطة أساس، إلا أن "المركزى" خالف آراء الخبراء، وقررت لجنة السياسة النقدية للبنك المركزى المصرى فى اجتماعها الإبقاء على سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى عند مستوى 11.25%، 12.25% و11.75٪ على الترتيب، كما تم الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند مستوى 11.75%.
على الصعيد العالمى، اتسم النشاط الاقتصادى العالمى بالتباطؤ نتيجة استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، وأدت العقوبات التجارية المفروضة على روسيا وما نتج عنها من اختناقات فى سلاسل الإمداد والتوريد إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية، وكذا أسعار البترول والقمح، وفى الوقت نفسه تم تقييد الأوضاع المالية العالمية، واستمرت البنوك المركزية فى الخارج فى تشديد السياسات النقدية عن طريق رفع أسعار العائد وخفض برامج شراء الأصول لاحتواء ارتفاع معدلات التضخم فى بلادهم، كما تثير عمليات الإغلاق التى تم إعادة فرضها مؤخرًا فى الصين مخاوف بشأن إمكانية تفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.
وتشير البيانات المبدئية إلى استمرار النشاط الاقتصادى المحلى فى التعافى خلال الربع الأول من عام 2022، وإن كان بوتيرة أبطأ، وسجل الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى معدل نمو قدره 5.4% مقارنة بـ8.3% خلال الربع الرابع من عام 2021، ويرجع هذا التباطؤ لعدة عوامل أبرزها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى تلاشى الأثر الإيجابى لفترة الأساس، والذى استمر خلال الأشهر التسعة الماضية.
ومن المتوقع أن يشهد النشاط الاقتصادى معدلات نمو أقل من المتوقعة مسبقًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التداعيات السلبية للأزمة الروسية الأوكرانية.
وفيما يتعلق بسوق العمل، انخفض معدل البطالة فى الربع الأول من عام 2022 مسجلًا 7.2%، ويرجع هذا الانخفاض إلى الزيادة فى معدلات التوظيف والتى حدت بدورها من الزيادة فى قوة العمل.
واستمر المعدل السنوى للتضخم العام فى الحضر فى الارتفاع، ولكن بوتيرة أبطأ ليسجل 13.5% فى مايو 2022 من 13.1% فى الشهر السابق، بالإضافة إلى ذلك، شهد المعدل السنوى للتضخم الأساسى، الذى لا يتضمن الخضروات والفاكهة الطازجة والسلع والخدمات المحدد أسعارها إداريًا، ارتفاعًا ولكن بوتيرة أبطأ للشهر الثانى على التوالى. وواصل اتجاهه التصاعدى ليسجل 13.3% فى مايو 2022 من 11.9% فى الشهر السابق.
ويرجع الارتفاع فى المعدل السنوى للتضخم العام إلى ارتفاع أسعار السلع غير الغذائية، وتباطأ التضخم السنوى للسلع الغذائية للمرة الأولى منذ بداية العام مدعومًا بتلاشى صدمة العرض التى شهدتها الأشهر السابقة فى بعض الخضروات الطازجة. واستمرت تطورات التضخم فى مايو 2022 متأثرة بتطورات سعر صرف الجنيه، وكذلك بتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على أسعار السلع.
وترى لجنة السياسة النقدية أن التطورات العالمية والناتجة عن الأزمة الروسية والأوكرانية هى صدمات عرض أولية خارجة عن نطاق عمل السياسة النقدية، ورغم أن تلك الصدمات قد تؤدى إلى تخطى معدلات التضخم المستهدفة والمعلن عنها مسبقًا.
يذكر أن أدوات السياسة النقدية يتم استخدامها للسيطرة على توقعات التضخم، والحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض، والتى قد تؤدى إلى ارتفاع معدلات التضخم نسبيًا عن معدلات التضخم المستهدفة.
وبالنظر إلى صدمات العرض الأولية حاليًا، فقد تحيد معدلات التضخم نسبيًا عن معدل التضخم المستهدف للبنك المركزى والبالغ 7% "± 2 نقطة مئوية" فى المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، على أن تعاود الانخفاض بعد ذلك تدريجيًا.
وقال الدكتور محمد عبدالهادى، خبير اقتصادى، إن هناك عدة عوامل كثيرة أدت إلى اتخاذ المركزى قرار سعر الفائدة منها أنه لم تأت نتائج قرارات الرفع الأخيرة التى قام المركزى برفع 200 نقطة، كما أن التضخم ارتفع فى المدن 13.5% فى مايو مقارنة 13% فى شهر أبريل على مستوى سنوى والشهرى انخفض 1.1% مقارنة 3.3% بشهر أبريل، مشيرًا إلى أن فارق التضخم والفائدة على أذون الخزانة بين التضخم الأمريكى والمصرى تمت معالجته بفارق الرفع 300 نقطة فى الاجتماعين.
وأضاف، أنه من المتوقع انتظار آثار رفع أسعار البنزين فى أول يوليو، وبالتالى انتظر وثبت أسعار الفائدة مؤقتا، مشيرًا إلى أن الموازنة العامة للدولة أظهرت عجز يقدر بنحو 558 مليار جنيه وارتفاع فى فوائد الدين الحكومى خلال موازنة 2022-2023 يقدر 690 مليار جنيه.
وقال الدكتور أحمد شوقى، خبير مصرفى، إنه فى ظل حالة ارتفاع التوترات الاقتصادية يكون سيناريو رفع سعر الفائدة هو الأقرب لأغلب البنوك المركزية، والتى استخدمت أداة سعر الفائدة والتى تعد الأداة الأكثر تطبيقًا للحد من مخاطر ارتفاع التضخم، حيث قامت لجنة السياسات النقدية برفع أسعار الفائدة بنسبة 3% منذ بداية الأزمة الحالية لتصل الى 11.25% للإيداع و12.25% للإقراض، والتى تعد من الإجراءات الاستباقية فى ظل الظروف المعقدة وارتفاع وتيرة الأحداث اللازمة الروسية الأوكرانية ما بين لحظة وآخرى، إلا أن قرار البنك المركزى المصرى جاء مدفوعًا بأن التضخم ناتج عن أزمة معروض وليس ارتفاع معدلات الطلب.
وأضاف شوقى، فضلًا عن استمرار أسعار الفائدة كما هى سيساعد فى الحفاظ على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وثبات تكلفة الاقتراض على المصانع، وبالتالى الحفاظ على توازن الأسعار فى السوق للحد من زيادة التضخم، والحفاظ على معدلات السيولة الحالية، بالإضافة إلى الحفاظ على عدم زيادة أعباء تكلفة خدمة الدين والتى تصل إلى 50 مليار جنيه مقابل كل زيادة بنسبة 1% فى أسعار الفائدة.
وتوقع الخبير المصرفي، أنه قد تسعى لجنة السياسات النقدية إلى إرجاء زيادة أسعار الفائدة للاجتماعات المقبلة بداية من اجتماع أغسطس حتى نهاية العام فى ضوء المتغيرات الاقتصادية الخارجية والداخلية والإبقاء على أسعار الفائدة للحفاظ على تكلفة التمويل للقطاع الزراعى والصناعى، والذى يعد من أهم القطاعات التى تسعى الدولة لدعمهما خلال الأعوام القليلة الماضية، والتى تدعم توجه الدولة المصرية لتحقيق معدل نمو يتجاوز 5.5% خلال العام الحالى.
وأشار إلى استمرار السياسات المالية والسياسات النقدية المصرية فى تقديم الدعم لكل القطاعات الاقتصادية، والتى كان لها دور فى احتواء الضغوط التضخمية العالمية والحفاظ على عدم زيادة الأسعار للمنتجات والسلع الأساسية بنسب كبيرة مقارنة بالأسعار العالمية للمنتجات كالزيت والقمح والبترول وزيت الطعام، وتحقيق معدل تضخم منخفض عن التوقعات ليصل إلى 13.5% فى ظل الظروف الراهنة التى يمر بها العالم الآن.
وقال أحمد معطى، خبير اقتصادى، يبدو أن العالم ككل سيدخل فى نوبة من الركود التضخمى، وأن رفع أسعار الفائدة ما هو إلا مسكن لآلام التضخم، وإنه يتعين على الأسواق ضبط مخاطر التباطؤ الكبير فى النمو، ويجب على واضعى السياسات مجابهة القفزة المفاجئة فى أسعار النفط والغذاء، وقال من الضرورى تعزيز إمداد السلع الأولية الرئيسية للغذاء والطاقة، والأسواق تعمل بنظرة استشرافية للمستقبل.
وأضاف، أن سبب أزمة ارتفاع الأسعار العالمية وارتفاع معدلات التضخم ليس ارتفاع معدلات الطلب، وبالتالى استمرار ارتفاع الأسعار فى العالم هو استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، والتى انعكست بارتفاع أسعار النفط فوق 120 دولارًا للبرميل، بالإضافة لتسببها فى أزمة عالمية فى الأمن الغذائى.
وتابع معطى، بالتالى فإن اتجاه البنوك المركزية لرفع الفائدة وتشديد السياسة النقدية هو مجرد مسكن للتضخم وليس علاجًا نهائيًا للمرض، فالعلاج النهائى للمرض هو حل الأزمة الروسية الأوكرانية أو على الأقل التعايش مع هذه الأزمة، كما تعايش العالم مع أزمة كورونا والاتفاق مع روسيا وأوكرانيا مع عدم استخدام ورقة النفط والغذاء كوسيلة ضغط على المجتمع الدولى.
وأوضح، أن المركزى المصرى فطن إلى أن العالم فى حالة استمراره فى رفع أسعار الفائدة لفترات طويلة يتجه لسيناريو "الركود التضخمى" وهو يعنى تباطؤ فى معدلات النمو وركود فى الأسواق فى ظل استمرار ارتفاع الأسعار وانقلاب منحنى العائد على السندات.