الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أشرف سالم.. نغمات باقية رغم الرحيل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى الوقت الذى يتسابق فيه الكثير من الصحف والمواقع والبرامج التليفزيونية على نشر الأخبار التافهة، والجرى وراء ما يطلق عليه «الترند»، وإعطاء قيمة لأشخاص وأحداث لا قيمة لها، نجدهم يتهاونون فى دورهم الحقيقى فى تسليط الضوء على الكثير من الأشياء الهامة، والمبدعين الكثر الذين يستحقون الاحتفاء والتقدير! ومنهم من يأتيه الأجل دون أن ينصفه الإعلام حيًا أو ميتًا!.
ومن هؤلاء الملحن الموهوب أشرف سالم، والذى مرت الذكرى الثانية لوفاته منذ أيام، دون أن يذكره الإعلام أو يحتفى بذكراه! حيث توفى فى ٥ يونيو ٢٠٢٠ نتيجة ذبحة صدرية، وهو فى أوج عطائه ونشاطه الفنى، وكان رحيله المفاجئ صدمة كبيرة للوسط الفنى ولأصدقائه ومحبيه، والغريب أنه على الرغم من شهرة أغانيه، وغزارة إنتاجه الفنى، ما بين عشرات الأغانى الناجحة لكبار المطربين فى العالم العربى، وموسيقى الأفلام والمسلسلات، إلا أنه لم يحقق شهرة كبيرة على المستوى الجماهيرى، تقابل حجم نجاح أعماله وشهرتها. رغم امتلاكه شعبية كبيرة فى الوسط الفنى، وخاصة بين من تعاونوا أو تعاملوا معه عن قرب، وعرفوا مدى رقيه ودماثة خلقه على المستوى الإنسانى، إلى جانب موهبته الكبيرة وجديته فى العمل ومحاولاته المستمرة لتطوير أدواته الإبداعية.
أحب أشرف سالم الموسيقى والفن منذ طفولته، وكان يصف نفسه بأنه «مهووس بالفن»، وكانت بداية ممارسته الفن ومحاولة صناعة الأغانى فى المرحلة الإعدادية، حيث بدأ كتابة كلمات الأغانى والتلحين والغناء، متأثرًا بالمدارس الموسيقية المعاصرة فى الغناء، مثل حميد الشاعرى ومحمد منير وسميرة سعيد، والذى لم يتخيل أنهم سوف يكونوا من أكثر المتعاونين معه بعد ذلك، حيث أبدع لكل منهم العديد من أجمل أغانيهم، وقد تمتع بموهبة موسيقية كبيرة، وكان شغوفًا بالتلحين والتوزيع وهندسة الصوت، ورغم تخرجه فى كلية التجارة إلا أن تعلقه بالموسيقى أخذه بشكل كامل، ولحسن حظه كانت بداية احترافه كملحن من خلال تعاونه مع الكينج محمد منير، فى أغنية «أم الخدود رمان» من ألبوم «الفرحة»، ويليه مباشرة تعاونه مع الفنانة الكبيرة سميرة سعيد فى أغنية «روحى» لينطلق بعد ذلك فى مجال التلحين ويصبح فيه أحد أبرز نجوم جيله.
كانت بدايته مع الدراما من خلال تلحين أغانى بعض الأفلام، مثل: «الحب الأول، والسلم والثعبان، والحياة منتهى اللذة، ورامى الاعتصامى»، واكتسب من خلال تلك التجارب التى ارتبطت بموسيقى الأفلام خبرة لا بأس بها، فى التعامل مع الدراما وكيفية التعبير عن الأحداث والمواقف الدرامية ليدخل بعد ذلك مجال موسيقى الدراما والأفلام والموسيقى التصويرية، ومن ضمن مشاركاته فى هذا المجال مسلسلات «نونة المأذونة عام ٢٠١١، وأرض جو عام ٢٠١٧، وكنا أمس عام ٢٠٢٠»، وفيلم «سلاح التلميذ»، ولم يتعامل «سالم» مع التلحين والموسيقى كمجرد وظيفة، أو بهدف الربح والانتشار، ولكن احتفظ بشغفه المستمر، وكان يتعامل مع كل عمل بكل الوعى والإحساس، سواء فى تلحين الأغانى والتعبير عن الكلمات، أو عند وضع الموسيقى التصويرية وما تعكسه من مواقف وأحداث.
تنوع «سالم» فى تعامله مع موسيقى الدراما، وفقًا لطبيعة كل عمل، فمثلا نجد موسيقاه لمسلسل «نونة المأذونة» تتخذ طابعا كوميديا، مستخدمًا فيها بشكل أساسى اللحن الشعبى لموسيقى الزفاف المصرية مع تنويعات لحنية على إيقاع الزفة التقليدى، ويبرز فيها الروح المصرية من خلال صوت الآلات المستخدمة والشكل اللحنى والإيقاعى. فى حين يستخدم فى مسلسل «أرض جو» شكلًا موسيقيًا مغايرًا يعتمد فيه على البيانو والآلات الوترية، وتتخد الموسيقى طابعًا كلاسيكيًا راقيًا فى بعض الاحيان أو يستخدم فيها جملًا موسيقية تضفى شجنًا فى أحيان أخرى، ولكنها تتميز فى الغالب بالروح المصرية الصميمة، أما المسلسل الإماراتى «كنا أمس»، والذى عرض قبل وفاته بأقل من شهرين، فقد أظهر فيه نضجًا موسيقيًا أكبر، وخاصة فى التعبير عن أجواء الإثارة من خلال إستخدام البيانو وبعض الأصوات الموسيقية الإلكترونية التى تستخدم كمؤثرات تعبر عن الحالة فى بعض المشاهد.
ولا شك أن مشاركاته فى مجال موسيقى الدراما قليلة للغاية، إذا ما قورنت بعدد الأغانى التى لحنها، وخاصة أنه كان فى بدايات طريقه فى مجال الموسيقى التصويرية، ولكن تظل تلك التجارب المحدودة بصمات مؤثرة فى الدراما العربية، ويظل هو على المستوى الإنسانى مثالًا يحتذى به فى الصبر والعطاء وقوة الإرادة، فرغم إصابته بالسرطان قبل سبعة أعوام من وفاته، إلا أنه صارع المرض وقاومه، ولم يضعُف أو يستسلم لليأس، وظل يبدع لآخر أنفاسه، عملًا بالحديث الشريف: «إن قامت الساعة وفى يد أحدِكم فسيلة، فإن استطاعَ أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها».