«وإِنْ تعْفوا وَتصفَحُوا وَتَغفرُوا فَإِن اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم».. منذ بداية الخلق وعرف الصلح بوسائل وطرق مختلفة إما العفو لوجه الله دون مقابل أو مقابل الدية، وفى حالات القتل يكون مقابل رفع الكفن، وحالات أخرى يكون بالاعتراف بالخطأ، حتى شرعت القوانين وأصبحت هناك إجراءات تصالح، تتم بموجب القانون يمكن أن ترفع التهمة عن الجانى نهائيا، وممكن أن ترفع عنه حق المجنى عليه فقط، ويبقى حق المجتمع يحتاج لتطبيق حكم رادع للحد من الجرائم.
فالقتل الخطأ على سبيل المثال يجوز فيه التصالح، أما القتل العمد فلا يجوز فيه، وكذلك قضايا الإتلاف والضرب والسب، على عكس وقائع الاغتصاب والسرقة وهتك العرض وغيرها، فلابد فيها من معاقبة الجاني بحق المجتمع، كما أن إسقاط العقوبة بالتصالح مع متهم في قضية يجوز فيها ذلك يسقط العقوبة عن باقي المتهمين، أما إذا تعدد المجنى عليهم، فيجب الصلح مع جميع الأطراف، حيث إن تصالح مجنى عليه واحد أو اثنين لا يأتي أثره في العقوبة، ويتم التصالح في أربع جهات، هي أقسام الشرطة بموجب محضر رسمى، الاستيفاء بالنيابة، أمام المحكمة المختصة، أو محضر صلح موثق بالشهر العقارى.
كما أن قرار المحكمة الدستورية فيما يخص التصالح، « انقضاء المحكمة الجنائية بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح هو قضاء يعادل في أثره براءة المتهم من الاتهام المسند إليه».
عامل الزمالك
وشهد الشارع المصري خلال الفترة القليلة الماضية وقائع تصالح مختلفة، منها الضرب والقتل الخطأ والإصابة بعاهة مستديمة، حيث تم التصالح في واقعة قطم عامل فى مطعم بمنطقة الزمالك «عقلة إصبع» مديره بسبب مشادة كلامية بينهما على العمل، وتم التصالح بينهم داخل النيابة التى قررت إخلاء سبيله.
وتصالح المجني عليه مع المتهم داخل النيابة وتنازل عن المحضر، وقال المجنى عليه في أقواله إنه يرأس المتهم فى العمل ويوم الواقعة نشبت بينهما مشادة بسبب توبيخه له لتكاسله عن العمل تطورت لتشابك بالأيدي، قام المتهم «بعض صباع» المجني عليه، مما أدى لقطع «عقلة صباع»، وبترها عقب نقله إلى المستشفى، وفر المتهم هاربا.
وأحالت النيابة القضية للجنايات لمحاكمته بتهمة إحداث عاهة مستديمة، وقال مصدر قضائي، إن المجني عليه تنازل عن الشكوي مقابل ٢٠ ألف جنيه تعويض من أهالي المتهم.
كومبوند المعادى
أما في واقعة صفع فرد أمن بكومبوند في المعادى، فقررت المحكمة انقضاء الدعوى بالتصالح، وبراءة المتهم، حيث قال المجني عليه عقب تصالحه وتنازله مع المتهم بمحكمة جنايات القاهرة بزينهم، أنه تصالح مع المتهم وتنازل عن أي اتهامات قد تدينه، موضحا أنه عفا عنه لوجه الله.
دهس طلاب الشيخ زايد
حادث الشيخ زايد
وفى القضية المعروفة إعلاميًا بـ «حادث دهس طلاب الشيخ زايد»، والمتهم فيه كريم الهواري نجل رجل الأعمال محمد الهواري، قضت المحكمة للضحايا بمعاقبة المتهم بالسجن المشدد ٣ سنوات وغرامة ٥٠ ألف جنيه، بتهمة حيازة مواد مخدرة والقيادة بسرعة زائدة عن السرعة المقررة، وذلك بعد تنازل أهالي الضحايا عن القضية.
التصالح في القانون
قال مصدر قضائى، إن التصالح في بعض الجرائم لا يسقط العقوبة لوجود ما يسمى حق المجتمع، حيث إن التصالح في جرائم الشرف لا ينفى التهمة عن المجتمع، كالسرقة على سبيل المثال، لو تنازل المجنى عليه عن حقه من السارق، فيبقى عليه حق القانون والمجتمع ويحبس ويحاكم على جريمته، وسقوط العقوبة في ذلك الوقت يكون بنفي المجنى عليه ارتكاب المتهم للواقعة، أى يقول إنه ليس مرتكب الحادث، بذلك لا يكون عليه تهمة.
أما في حالات الاغتصاب يكون التصالح سببا لسقوط العقوبة بعد زواج المتهم من المجنى عليها، وبناء على رغبة الأهل ولعدم المساس بسمعة الفتاة تقفل القضية، ولكن يحق للمحقق وجهات الاختصاص حبس المتهم حتى إذا تم التصالح، وكذلك وقائع خطف الأنثى التصالح يكون شريطة الزواج من المجنى عليها.
الضرب والإهانة
وأضاف أنه في حالات الضرب البسيط، أو الإهانة والمشاجرات العادية، والجنح والمخالفات، تسقط العقوبة بالتصالح، مشيرا إلى أنه من جهة أخرى هناك ظروف مشددة للعقوبات مثل تعاطى المواد المخدرة، وظروف أخرى تخفف من العقوبة مثل الجنون التام حيث تسمى «موانع عقاب»، أما الجنون المتقطع أي أن المتهم يكون في بعض الأوقات يعانى من الجنون والأمراض النفسية وأوقات أخرى يكون بكامل قواه العقلية، فيحاسب مثل المتهم العادى على تلك الوقائع التى يرتكبها وهو في حالة متزنة.
قال محمد مصطفى، المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة، فيما يخص الوقائع التى تم التصالح فيها إن واقعة صفع فرد أمن أنها مشاجرة تولت النيابة العامة تحريك الدعوة الجنائية ضد المتهم، حيث إن الجريمة الواقعة على المتهم تُسمى في القانون «إحداث ضرر لجسد الإنسان»، وعقوبتها في القانون حبس لا يزيد علي سنة وغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه. ونصت المادة ٢٤٢ من قانون العقوبات على أنه «إذا لم يبلغ الضرب أو الجرح درجة الجسامة المنصوص عليها في المادتين السابقتين يعاقب فاعله بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن عشرة جنيهات ولا تجاوز مائتي جنيه».
وبما أن المجني عليه قرر التصالح مع المتهم، فبالتالي تنقضي الدعوى الجنائية بالتصالح ولا تصدر أي عقوبة بالحبس بحق الأخير وفق قانون الإجراءات الجنائية. وتنص المادة ١٨ مكرر أنه "يجوز للمتهم التصالح فى المخالفات وكذلك فى الجنح التى لا يعاقب عليها وجوبًا بغير الغرامة أو التي يعاقب عليها جوازيًا بالحبس الذى لا يزيد حده الأقصى على ستة أشهر". وأجاز القانون ١٤٥ لسنة ٢٠٠٦ التصالح في جرائم المشاجرة والضرب الخفيف والمؤثمة قانونا في المادة ٣٧٧ / البند ٩.
كريم الهوارى
أما في قضية كريم الهوارى فوضعها مختلف تماما لوجود شقين بها شق مدني وشق جنائي، وهو جريمة قتل خطأ تحت تأثير مخدر، وحددت المادة ١٨ مكررا من قانون الإجراءات الجنائية الحالات التي يجوز التصالح فيها في أي حال كانت عليه الدعوى، ويترتب عليه انقضاؤها بالتصالح، ومن بينها هذه الحالات الجنح والمخالفات المنصوص عليها في الفقرتين (الأولى والثانية) من المادة ٢٣٨ من قانون العقوبات، وهي المادة التي توصّف الجرائم وتقر العقوبات المتعلقة بقضية كريم الهواري والطلاب الأربعة.
ويتضح من المادة اقتصار التصالح في جريمة القتل الخطأ على ما ورد بالفقرتين الأولى والثانية فقط من المادة ٢٣٨ عقوبات، أما الفقرة الثالثة فلا تصالح فيها. وبالعودة للواقعة والاتهامات الموجهة للهواري يتبين ارتكابه المخالفات الواردة بالفقرات الثلاث.
وتنص المادة ٢٣٨ في فقراتها الثلاث علي أن من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئًا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالًا جسيمًا بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطيًا مسكرًا أو مخدرًا عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أوامتنع وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين.
وبالتالي فإن الفقرة الثالثة التي لا ينطبق عليها التصالح يتضح منها أن وفاة أكثر من ٣ أشخاص في الواقعة - كما هو الحال في هذه القضية - يحول دون إصدار المحكمة حكمًا بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح، ويترتب على ذلك إصدارها الحكم بالإدانة أو البراءة ومدة العقوبة وفق ما اقتنعت به في أوراق الدعوى وما دار بجلسات المحاكمة.
كما لن تحسم محكمة الجنح الشق المدني المتعلق بالضرر وطلب التعويض تطبيقًا لما نصت عليه المادة ١٨ مكرر أ في فقرتها الأخيرة بأنه "لا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة"، إلا أن التصالح الذي وثقه أهالي الضحايا في الشهر العقاري يسقط حقهم في طلب التعويض إذا ما نظرت المحكمة المدنية المختصة الشق المدني في الدعوى.