التراث كلمة ترافق الجميع على مر العصور، تعني الاهتمام بما كان يفعله السابقون من الأسرة أو من الدولة بالعموم، حتى أنها تحتضن أشياء تمثل هوية وثقافة معينة للشعب، من بين هؤلاء المتمسكين بالتراث القديم، هو الحاج ناصر الطرابيشي، الرجل الستيني، الذي ظل حياته كلها يعمل في صناعة الطرابيش، إذ إنه يعتبرها شيئًا مهما لا غنى عنه ولا يقبل أن تمحوه الحداثة كما محت العديد من المهن اليدوية القديمة.
في محل صغير بإحدي أزقة منطقة الغورية، تربى ناصر الطرابيشي وترعرع على العمل والاجتهاد برفقة والده والعديد من المهنيين القدماء الذين يمثلون أساس هذه المهنة، بدأ العمل بها منذ أن كانت الماكينات تعمل على الفحم، ومن ثم تطورت حتى وصلت إلى الجاز ومن بعدها الغاز، فلا يستطيع أحدا الوقوف على ماكينة المصنوعات إلا بعد قضاء سنوات في هذه المهنة لكسب الخبرات التي تؤهله إلى ذلك، كما يقول ناصر.
ليس بها اعتماد على مقاسات وإنما يتوقف الأمر على مدى عبقرية الصنايعي في النطر إلى وجه الزبون لمعرفة المقياس الذي يناسب رأسه، وعلى الفور يهم بالعمل: “كل واحد ليه دماغ وأحجام، أنا أبص على رأسه وأقدر أحدد القياسات، لذلك يسموني بصانع الوجاهة، وكمان لأن باشوات البلد زمان كانوا يلبسون الطرابيش من عندي”.
يقول «ناصر» إن هذه المهنة لن تتوقف عن العمل ما دام الأزهر يعمل طوال السنين، لأنها ليست متوقفة على أيام الباشوات فقط، ولكن نصنع الطرابيش لمشايخ الأزهر والعلماء وأئمة المساجد، وأيضا العديد من الدول العربية، فهناك أنواع من الطرابيش فهي: "طربوش الأفندي ويسمى العثمانلي، وهو طربوش الملك فاروق ويستخدم كعمامة شامية، وهو ما يرتديه الأشخاص في المسلسلات والأفلام، ومنتشر في فلسطين والأردن وغيرها من الدول الغربية، والثاني طربوش الإمام، وهو ما يرتديه شيخ الأزهر والعلماء والوعاظ، والثالث طربوش المقرئ، وهو يكون فاتح وله زر لبني، وبالتالي هناك فرق، حيث لا يجوز ارتداء طربوش المقرئ لعلماء الأزهر وكذلك العكس، وهذه أشياء معروفة بينهم.
وأضاف «ناصر» أن الطربوش قبل أنا يكون لبس فهو وقار للإمام، وبالتالي يعطي لمن يرتديه وقارًا، وهناك العديد من مشاهير القراء يرتدون الطرابيش من عنده:" مشاهير القراءة في مصر ياخدوا طرابيش من هنا، والخوص الذي نستخدمه في عمل الطرابيش، يجلبونه من رشيد ويتم تشكيله بالطريقة التي يريدونها في صناعة الطرابيش".
يحاول ناصر الطرابيشي بكل قوته أن تستمر هذه المهنة إلى الأبد، لذا حرص على تعليم أبنائه الاثنين هذه المهنة: « علمت أولادي الاثنين ولكن أنا بخوفهم من شغل المشايخ، علشان لما يلبس الحاجة ويدعيلي أفضل ما يدعي علي»، وأيضا يجب أن يكون هناك تركيز كبير للغاية لأنه ليس هناك فرصة لأن يسرح الشخص في هذه المهنة"، متابعا:" المهن اليدوية تعاني من الكثير الإهمال، بما أنها تمثل تراثا كبيرا للبلد، وهناك العديد من الشباب الذين يجلسون على المقاهي بحجة أنه لا يجد عملا، وهذا مفهوم خاطئ للغاية: "الشغل كتير بس الكسل من أنفسنا لازم كله يشتغل ويسعى ليحقق ذاته".