ربما كان تعيين طارق عامر محافظًا للبنك المركزى يوم ٢٧ نوفمبر من العام ٢٠١٥، خلفًا لهشام رامز الذى قدم استقالته، بدايةً لإصلاح القطاع المصرفى وتأكيدًا لرغبة وقناعة القيادة السياسية بأهمية إصلاح وتطوير قطاع البنوك والعمل وفقًا للمعايير المصرفية العالمية.
طارق عامر انتهى فى عام ٢٠٢٠ من إلزام البنوك المصرية كافة بتوفيق أوضاعها والعمل بهذه المعايير، وبعدها أضحت البنوك المصرية بنوك تجارية بحتة تهدف إلى تحقيق الربح، وكذلك أنقذ البنك المركزى بنك التنمية الصناعية الذى هو نتاج دمج ٣ بنوك خاسرة فى بنك واحد، وتم ضخ عدة مليارات فى شريانه ونفس الأمر طبقه طارق عامر مع البنك الزراعى الذى كان يتبع وزارة الزراعة وضخ فيه عدة مليارات حتى وقف البنك على قدميه وبات من البنوك التجارية التى تهدف إلى الربح ويعد الداعم الأساسى للفلاح المصرى.
كما طبق نفس الأمر فى دمج عدة بنوك خاسرة فى بنك واحد أطلق عليه المصرف المتحد، وانتهت بذلك سياسة إدارة البنوك بالتليفون من خلال الحكومة، ونجت مصر من تكرار قضايا نواب القروض التى كانت السبب فى خسائر عدة بنوك أعادها طارق عامر إلى الحياة.
ولفهم طبيعة عمل البنك المركزى ومن ثم السياسة النقدية التى يلتزم بها المحافظ سأتكلم ببساطة وبنفسية الأطفال وعقلية المرابى حتى أصل إلى تفسير سهل لماهية السياسة النقدية.
البنك المركزى دوره طباعة النقود أى الجنيه المصرى فقط، بينما العملة الصعبة يطبعها الشعب المصرى بأكمله من ناتج عملهم من الصادرات وإيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين فى الخارج وإيرادات قطاع البترول، يعنى البنك المركزى، مثل الخزانة الموجودة فى كل بيت التى نضع فيها تحويشة العمر لزواج البنات أو لحفظ ذهب الزوجة والبنات لبيعها عند الظروف الصعبة.
ودور المركزى وبالتبعية طارق عامر، الحفاظ على العملة الصعبة الناتجة من عمل الشعب والحكومة وإدارتها بكفاءة عالية، سواء فى أذونات الخزانة الأمريكية أو الاكتتاب فى أى سندات دولية أخرى أو شراء الذهب كما فعل مؤخرًا بشراء ٤٤ طنًا منه.
مما يعنى أن سعر الجنيه مقابل العملات الصعبة تحدده قدرة الدولة على التصنيع والتصدير، وليس هناك دور للبنك المركزى فى زيادة الصادرات أو إيرادات قناة السويس أو السياحة.
بمعنى أن قوة الجنيه تعكس قوة الاقتصاد المصرى وقدرة الشعب مع الحكومة على زيادة الإنتاج لسد احتياجات السوق المحلية مما يقلل الواردات التى تلتهم العملة الصعبة وتصدير فائض الإنتاج حتى تزيد الغلة الدولارية.
مما يؤكد أن الذى يحدد قوة الجنيه مقابل الدولار، هو قوة الاقتصاد وأداء الحكومة وليس طارق عامر لأن البنك المركزى دوره الأساسى وربما الأوحد إن جاز لى الاستمرار فى التبسيط المخل لدور البنك هو استهداف التضخم وهذا ظهر جليًا فى سياسات كل البنوك المركزية فى العالم حاليًا، والتى تقوم برفع سعر الفائدة لمحاربة التضخم المستورد من أمريكا.
وفى مصر رفع البنك المركزى بقيادة طارق عامر سعر الفائدة على الجنيه مرتين متتاليتين بنسبة ١٪ ثم ٢٪ حتى يقوم الناس بوضعها فى البنوك للاستفادة من الفائدة المرتفعة فتقل النقود الموجودة مع المواطنين ومن ثمه يقل الطلب على شراء السلع فتعود الأسعار إلى معدلها الطبيعى والعكس صحيح، عندما تنخفض الأسعار يقوم البنك المركزى بخفض سعر الفائدة فيقوم المجتمع بالتوسع فى الشراء لأن الجنيه لم يعد مخزنًا للقيمة.
هذا التعريف البسيط هو أحد أدوات البنك المركزى أو السياسة النقدية لاستهداف التضخم سواء تم استخدام التشدد الكمى للنقود أو التيسير الكمى للنقود.
ما يهمنى فى هذا المقال هو تعريف وتحديد دور السياسة النقدية المسئول عنها البنك المركزى لأن ثمة خلط واضح لدى الكثيرين بين السياسة المالية المسئول عنها رئيس الوزراء ومعه حكومته، والتى تحدد الضرائب والجمارك وتشجع الاستثمار وتجذب رءوس الأموال الأجنبية وإعطاء مزايا لها، كل هذه الإجراءات الحكومية تهدف إلى زيادة الصادرات الصناعية والزراعية واستغلال المقومات السياحية فى مصر لخلق روافد جديدة للعملة الصعبة كما أن دور الحكومة تعليم وتطوير العمالة المصرية ثم تصديرها إلى الخارج حتى تكون رافدًا آخر للعملة الصعبة وربما كانت تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتى بلغت ٣١.٥ مليار دولار العام الماضى أكبر من حجم الصادرات المصرية وربما معها إيرادات قناة السويس التى بلغت ٦.٣ مليار جنيه.
مما يوضح أن سعر الجنيه مقابل الدولار يُحدد وفقًا لقدراتنا الإنتاجية ووفقًا للأولويات الحكومية وانحيازها إلى الصناعة والزراعة والإنتاج والتشغيل الدائم بدلًا من التوسع فى الاقتصاد الخدمى والريعى.
طارق عامر الذى تم اختياره أكثر من مرة ضمن أفضل محافظى البنوك المركزية فى العالم، تم اختياره أمس الأول ليترأس اجتماع البنك الدولى وصندوق النقد فى أكتوبر المقبل، ما يعكس ثقة هذه المؤسسات فى مهنيته وقدرته، وتجلت هذه المهنية فى مصر باجتيازه بكفاءة عالية قرار تحرير سعر الصرف يوم ٣ نوفمبر ٢٠١٦ حيث نجح فى القضاء على الدولرة وأعاد أكثر من ٧٠ مليار دولار كانت تدور فى السوق السوداء إلى القطاع المصرفى ورفع سعر الفائدة على الجنيه حينذاك إلى ٢٠٪ فى محاولة منه للحفاظ على أموال المودعين من التأكل ونجح بامتياز فى عبور أزمة وباء كورونا خلال العامين الماضيين، كما أصدر قانون المصارف الذى انتصر فى كل مواده للمستقبل ومعطياته استعدادًا للبنوك الرقمية والعملات المشفرة.
كما انتصر، فى الأيام الأخيرة، لأكثر من ٣٨ مليون مواطن مصرى يمتلكون ودائع بالبنوك بطرح شهادة ثلاثية بعائد ١٨٪، ليس هذا فحسب بل بلغ إجمالى الفوائد التى حصل عليها المصريون من البنوك خلال العام الماضى نحو ١١٣ مليار جنيه، وهو أكبر من عائد أى مشروع فى مصر حصل منه المصريون على هذا المبلغ أو حتى نصفه أو ربعه.
آراء حرة
طارق عامر.. العبقرية المهنية فى إدارة السياسة النقدية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق