استوقفني هذا العنوان وأنا أتأمل حالة الكلمة ومن بينها الشعر والشعراء، وأرى العرب ونحن فيهم يحرقون سجل مفاخرهم ويعبثون بوسيلة تخليد مآثرهم.
أتأمل هؤلاء القوم الذين كانوا يتعشقون الكلمة ويقيمون لها أسواقا ومواسم ويتبارون للاستمتاع بها، وبين قوم أهانوا الكلمة وصفدوها وتبرأوا منها.
ألهتنا فتاوى القتل والدم والطلاق عن الحياة، شغلنا غذاء البطون عن غذاء الروح، تمسكنا بالصلد وتركنا اللين وأخذنا من الدين السيف وتركنا الكلمة.
باتت صفة الرجل بالشعر وكأنه درب من خبال أو حسب لغة العصر "يملأ فراغه".
وأنا أقتطف معكم بعضا مما كتب عن رسول الله "ص" وحبه للشعر أدرك أن هناك الكثير سينكرون هذا الحديث بالرغم أنه ورد في الكثير من الكتب منها: "شرح شواهد المغنى، العقد الفريد وشعر النابغة، الإسلام والشعر، الأدب في موكب الحضارة الأسلامية، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تاريخ الأدب العربي، تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري، وغيرها من الكتب التي رصدت كيف كان رسول الله (ص) يبجل الشعر والشعراء، ربما أعدنا للكلمة مكانتها في زمن الرداءة.
فسبحان من أجرى الكلمة على ألسنة الشعراء وجعلها هبة ومنحة لتطرب القلوب وتسمو بالروح وليس أبلغ ما قاله الرسول عن العرب والشعر حين قال: "لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين".
وقد قيل أن النبي الكريم كان قبل النبوة يحضر سوق عكاظ ليسمع الشعر.
وقد أورد د. سامي مكي العاني في كتابه "الإسلام والشعر" أنه (ص) كان يتوق إلى معرفة كيفية جريان الشعر على لسان الشعراء ولذلك سأل عبد الله بن رواحة:
ما الشعر؟
فأجابه بن رواحة: شئ يختلج في صدر الرجل، فيخرجه على لسانه
لم يقف الأمر عند سؤال الرسول الكريم عن الشعر فقط بل أثبت العاني مستندا على أكثر من مائة و٤٠ مرجعا حب الرسول للشعر وتبجيله للشعراء حتى أنه قال: "إن من الشعر لحكمة، فإذا ألبس عليكم شئ من القرآن فالتمسوه في الشعر، فإنه عربي".
ولم يقف حب الرسول (ص) للشعر عند حد السؤال والتبجيل بل كان يوجه فهاهو عندما سمع كعب بن مالك يقول:
مدافعنا عن جذمنا كل فخمة
مدربة فيها القوانس تلمع
أنكر (ص) اتجاهه نحو العصبية القبلية وطلب منه أن يبدل كلمة "جذمنا" بكلمة "ديننا"
وكان (ص) يعجب بقول عنترة:
ولقد ابيت على الطوى واظله
حتى انال به كريم المأكل
وقال عن إعجابه بعنترة: ما وصف لي أعرابي قط، فأحببت أن أراه إلا عنترة.
وكان رسول الله (ص) يستعين بسماع الشعر على قطع المسافات في السفر، وقيل أنه في ليلة على سفر طلب من حسان أن ينشد وهو يستمع إليه حتى كاد رأس الراحلة يمسك الورك، طربا لنشيده، فلما فرغ، قال له الرسول: لهذا أشد عليهم من وقع النبل.
وأخيرا للكلمة وقع في نفوس العدو أقوى من وقع السهام فها هو النبي يقول يطلب من حسان بن ثابت أن يرد على قريش هجائهم له فيقول له:
يا حسان اهجهم، فو الله لهجاؤك أشد عليهم من وقع السهام في غبش الظلام.