ضبطت وزارة الداخلية العديد من القضايا الخاصة بالنصب على المواطنين، والتى تندرج تحت مسمى «المستريح»، فهذا المصطلح انتشر مؤخرا كالنار فى الهشيم وسمعنا كثيرا عن ضحايا هذا «المستريحين» وعن كيفية تضحيتهم بأموالهم طمعا فى جمع الأرباح والحصول على الأموال، بطرق غير مشروعة أو طرق موازية غير رسمية للبنوك والأماكن الرسمية للدولة، ليصبح المواطن بهذه الفعلة شريكا فى الجريمة وليس ضحية كما يعتقد البعض.
مصطفى البنك
تداولت أخبار كثيرة عن قصة «مصطفى» مستريح أسوان، الذى قام بالنصب على المواطنين بمبالغ طائلة تصل إلى ٥٠٠ مليون جنيه، والذى لقب بعد ذلك إعلاميا بـ«مصطفى البنك» أو «البنك المتحرك».
قام المتهم بإيهام المواطنين أنه يقوم برد فوائد أموالهم مضاعفة ١٠ مرات، بعد مرور ٢١ يوما فقط، فقام الأهالى بتجميع بعضهم البعض وتجميع أموالهم وإعطائها له مقابل الحصول على فائدة أكبر من المقرر رسميًا، طمعا فى المكسب السريع.
والغريب فى الأمر أن أحد الضحايا، ويدعى أحمد مرسى، أدلى باعترافات أمام النيابة العامة قائلا: إنه كان مصدقا المتهم وجلب له أمواله «عشان يشغلها له» على حسب قوله، مؤكدا أن «المستريح» كان يعطيهم على كل «بقرة» ١٠ آلاف جنيهًا شهريًا، مضيفًا: «كان يقبضنا مرتين فى الشهر وأحيانا كنا نحصل على الفوائد كل ٢٠ يومًا».
فيما قال «أسامة.ع»، أحد ضحايا مستريح أسوان، إنه تعرض للنصب من أكثر من مرة، حيث خسر ما يقرب من ١٥٠ ألف جنيه، موضحًا أن «المستريح» لعب على عقول الضحايا للاحتيال عليهم والحصول على مواشيهم بزعم توظيفها، والتى قدرت قيمتها بـ٢٠٠ مليون جنيه، مؤكدًا أنه خسر ١٠ بقرات فى شهرين.
مستريح جديد فى الجيزة
كما تمكنت قوات الأمن من ضبط مستريح جديد بمحافظة الجيزة وتحديدا بمنطقة كرداسة، حيث قام بالنصب على المواطنين فيما يقارب ٢٨٨ مليون جنيه عن طريق جمع الأموال لتشغيلها فى الطوب والأسمنت، وعمل الجمعيات الشهرية.
«مستريح» العُسيرات
لم يقتصر الأمر على مستريح أسوان ولا مستريح كرداسة، ولكن الأمر أصبح كالوباء، انتشر فى جميع المحافظات وبأرقام مالية كبيرة، ولكن وزارة الداخلية تصدت لهم بالمرصاد، وكان أخر هذه القضايا عندما تمكنت مباحث الأموال العامة لفرع الوجه القبلى القبض على «مستريح» بدائرة مركز العسيرات، لقيامه بالنصب على مجموعة من الأشخاص بدائرة المركز، والاستيلاء منهم على مبالغ مالية بلغت جملتها ٢ مليون و١٠٠ ألف جنيه، بدعوى توظيفها لهم فى مجال الاستثمار العقارى مقابل أرباح شهرية.
وبعمل التحريات الأمنية اللازمة تبين أن المتهم جمع هذه الأموال بطرق غير شرعية لتوظيفها فـى مجال الاستثمار العقارى مقابل أرباح شهرية إلا أنه لم يف بوعده أو رد تلك المبالغ، وقد أكدت تحريات مباحث الأموال العامة صحة البلاغ، وعقب استصدار أذن النيابة العامة تمكنت قوة من مباحث مركز العسيرات، بإشراف اللواء محمد زين، مدير المباحث الجنائية، من ضبط المتهم، وبمواجهته اقر بارتكاب الواقعة، وتعهد برد المبالغ المالية، وتحرر المحضر اللازم، وأخطرت النيابة العامة لمباشرة التحقيق.
نصاب الشرقية
وتمكنت قوات أمن الشرقية، من ضبط القبض على شاب يمتلك محل موبايلات؛ على خلفية اتهامه بالاستيلاء على أموال عدد من الشباب بزعم توظيفها.
كانت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الشرقية، تلقت إخطارًا يفيد بتحرير عدد من المواطنين بلاغات بمركز شرطة ههيا وقسم الأموال العامة يتهمون فيها المدعو «محمود م ال ع إ»، ٣٠ عامًا، مُقيم بدائرة مركز شرطة ههيا، ويمتلك محل خدمات هواتف محمولة، بالنصب عليهم والاستيلاء على ملايين الجنيهات المملوكة لهم ولجهة عمل عدد منهم فى شركات الدفع الإلكترونى.
وتبين أن المشكو فى حقه قد تحصل على أموال مملوكة لجهة عمل الضحايا، إذ إن عددا منهم يعمل فى شركات الدفع الإلكترونى، وبدلًا من تحويلها استولى عليها ولاذ بالفرار والهرب، فيما أشار عدد من الضحايا كذلك إلى أن المتهم كان قد أوهم عددا منهم وجعلهم وسطاء بينه وبين ذويهم لأجل توظيف أموالهم بدعوى إعطاء فائدة تصل إلى أكثر من تلك التى توفرها البنوك.
«البوابة» أستطلعت آراء خبراء الاقتصاد والأمن والدين وعلم النفس للتعرف على أسباب انتشار الظاهرة وكيفية مواجهتهيقول الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، إن هناك صفات مشتركة تجمع بين المستريح والمجنى عليه، أهمها الحرمان المادى والجشع والتلهف والسخط وضعف الإيمان، وكلها أسباب وأمراض نفسية تجعل من المجنى عليه يلهث وراء المستريح لكسب الكثير من المال.
وأضاف «هندي» أن من الضحايا من يريد مركز اجتماعى، كأن يترشح فى أى انتخابات، فيريد جمع المال ليقوم بصرفه فى هذه الانتخابات ليحصل على مركز اجتماعى، فيبحث عن الثراء السريع عن طريق استثمار أمواله بشكل غير قانونى ودون أن يعمل. وقال إن الأنانية تعد سببا من أسباب تعامل هؤلاء مع المستريح وأيضا التربية الاجتماعية السيئة والسلبية تعد سبب رئيسى من أسباب نشأة جيل طماع يلهث وراء الأموال بأى طريقة كانت.
فيما أكد الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، أن المستريح والطماع وجهان لعملة واحدة قائلا: «طول ما فى طماع سيكون هناك مستريح»، مؤكدا أن الاثنين أحدهما يتغذى على الآخر، واصفا الشخص الذى يلجا إلى المستريح بأنه «مريض الطمع»، فهو لا يذهب إلى البنوك الرسمية للدولة والمصارف التى تعطى ١٨٪ فائدة ثم يذهب لجهات موازية غير رسمية تكون نتيجتها تعرضه للنصب وخسارة أمواله كلها وكل ذلك بسبب الطمع.
وأضاف أن الطمع لا يفرق بين متعلم وجاهل، أو فقير وغنى، مؤكدا أن الدولة بكل أجهزتها وضحت للمواطنين طرق النصب عن طريق الإعلام والصحافة والتيلفزيون فى مسلسلات وأفلام لتوعية المواطنين، مؤكدا أن برامج التوك شو تتحدث يوميا عن النصب والنصابين للتوعية، لكن الضحية لا يلتفت لكل هذا لأن الطمع أعمى الأعين.
وناشد الخبير الاقتصادى المواطنين التعامل مع الجهات الرسمية للدولة قائلا: إن التعامل مع أى جهة غير رسمية حتى وإن كانت فوائدها يومية يعد مخالفا للقانون ويعرضك للنصب والوقوع فريسه تحت أيدى هؤلاء المستريحين.
وفى نفس السياق، قال اللواء أشرف أمين، الخبير الأمنى، إن وزارة الداخلية ليس لها دور فى حجب مثل هذه الوقائع إلا عن طريق الضبط لمرتكبيها، مؤكدا أن الدور الرئيسى للإعلام والأزهر عن إنتاج مسلسلات وأعمال درامية تحذر من مثل هذه الوقائع ومثل هؤلاء الأشخاص، وتنظيم خطب دينية لتوعية المواطنين من حرمة هذه الأموال ومن شر التعامل مع هؤلاء الأشخاص.
وأكد الخبير الأمنى أن المستريح استهدف شريحة كبيرة من المجتمع ليست مقتصرة على الأقاليم فقط ولكن استدفت أيضا المثقفين بهدف جمع الأموال، مضيفا أن دور وزارة الداخلية يتلخص فى جمع المعلومات عن مثل هؤلاء الأشخاص ثم القيام بضبهم ومنعهم من ممارسة مثل هذه الأعمال التى تضر بالمجتمع والمواطن.
وشرح «أمين» عدد من الطرق المختلفة التى يستخدمها المستريح وتطورها، حتى وصلت للتواصل الاجتماعى عن طريق عمل تطبيقات لجمع الأموال وتشغيلها بشكل غير قانونى يهدف لجذب هؤلاء الجشعين، مشيرًا إلى نجاح وزارة الداخلية فى ضبط الكثير من هذه القضايا، وهى متداولة فى المحاكم المصرية حاليًا.
ونوه الخبير الأمنى إلى ضرورة تكاتف أجهزة الدولة من إعلام وصحافة ووزارة الثقافة والتربية والتعليم والأسر وغيرهم لتوعية المواطن، لخلق جيل جديد يعرف الحرام والحلال حتى لا يكونوا فريسة لأحد.
وناشد اللواء أشرف أمين أى مواطن تتوفر لديه معلومة عن مثل هذه الوقائع أن يتوجه فورا إلى أقرب قسم شرطة للإبلاغ والادلاء بها للجهات المختصة، حتى نتكاتف جميعا للقضاء على النصابين تحت أى غطاء أو مسمى، موجها حديثه المواطن قائلا من يريد أن يستثمر أمواله عليه أن يذهب إلى الجهات الرسمية فى الدولة وهى معلومة لدى الجميع وأكثر أمانا من غيرها.
من ناحيته، قال الدكتور عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أينما تجد النصاب تجد الطماع، معتبرًا أنهما شركاء فى جريمة واحدة، ويجب أن يعاقبا بنفس التهمة لأن هذه جريمة كبرى تضر بالأمن القومى المصرى.
وأضاف «هندي» لا بد من تنبيه وزارة الأوقاف على كافة المشايخ بالمساجد التحدث فى مثل هذه الأمور الهامة لتوعية الجمهور من التعامل مع هؤلاء الأشخاص للحيلولة دون الوقوع فريسة للنصب عليهم وخسارة أموالهم، فالتوعية مطلوبة، ويجب على كل مؤسسات الدولة وخاصة الإعلام التكاتف فى مثل هذه الأمور لتنبيه المواطنين.
وقال عضو المجمع الأعلى للبحوث الإسلامية، إنه يجب على كل إمام فى منطقته عقد لقاءات ودروس دينية ولقاءات بالمواطنين وتوعيتهم وشرح أن كل فعل مجرم فهو محرم وإطلاع المواطنين على الشريعة الإسلامية والمعاملات الصحيحة فيها وغيرها مما حرمة الله سبحانه وتعالى.
وجه «هندي» رسالة إلى شركاء المستريح على حد قوله قائلًا: «اذكركم ونفسى بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ -وأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِى الْحَرَامِ، كَالرَّاعِى يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْه)»ِ.
فيما قال الدكتور أبواليزيد سلامة، من علماء الأزهر الشريف، إنه لا شك أن التوعية تحتاج تضافر الجهود من المؤسسات الوطنية المختلفة الدينية والتعليمية والتربوية والإعلامية والاجتماعية والرياضية، مؤكدا أنه حال توفر ذلك يصبح المواطن مسئول مسئولية كاملة عن هذه الجريمة مثله مثل المتهم، لأنه ليس له حق المعرفة بعد هذه الحملات التوعوية، لذا فإن العمل المشترك بين هذه المؤسسات لخلق رأى عام مناهض للنصب والاستسهال شيء مهم جدًا وأصبح واجبًا.
وأضاف «أبواليزيد» أن طرح البدائل للاستثمار الآمن من خلال الشركات الواعدة للمواطنين أصبح أمر هام جدًا، لأنه يعد سبب من الأسباب التى قد تساعد فى القضاء على مثل هذه الجرائم وانتشارها، لأن التعامل مع مؤسسة أو شركة معلومة سيكون له من القدر الكافى من الأمان لدى الطرفان، وأضاف يجب التوعية بالمخاطر الاقتصادية التى تنتج عن مثل هذا اللون من الشراكات التى تزين للناس المكسب السريع غير الأمن.
وعن الشق القانونى وعقوبة المستريح، قال المستشار محمد عبدالله الرهبانى، المحامى بالاستئناف العالى، أن التهمة التى تنتظر المتهم هى النصب على المواطنين وفقًا للمادة ٣٣٦ من قانون العقوبات، وعقب انتهاء التحقيقات يُحال إلى محكمة الجنح، وتتراوح عقوبة المتهم فى كل قضية من الحبس ٢٤ ساعة إلى ٣ سنوات، وفى حالة تعدد المحاضر فى حالة ثبوت الجريمة فأقصى عقوبة ٣ سنوات.
وتنص المادة ٣٣٦ عقوبات على أنه يُعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال وأكد أنه فى حالة طلب الضحايا الحصول على اموالهم من المتهم عليهم أن يحصلوا على حكم من المحكمة على المتهم باسترداد أموالهم ثم التنفيذ عليه عن طريق وزارة الداخلية بعد صدور الحكم لصالحهم وعليه تقوم الأجهزة الأمنية بتنفيذ الحكم بالحجز على أموال المتهم وممتلكاته تنفيذًا لحكم القضاء حتى يتمكن من عودة الأموال لأصحابها.
وليد هندى: الجشع والتربية الاجتماعية السيئة.. أهم الأسباب على الإدريسى: أينما تجد طماعا تجد «مستريح» أشرف أمين: الداخلية رصدت مئات القضايا وتناشد المواطنين التعامل مع الجهات الرسمية للدولة