خفّضت مؤسسة "جي بي مورجان" الأمريكية من توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي، حيث توقع محللون تابعون للمؤسسة أن تتأثر الأسواق الناشئة بشكل حاد عقب التغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم في الأسابيع القليلة الماضية، وبخاصة في أعقاب السياسات النقدية التي بدأت الدول في اتخاذها للتعامل مع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي أنهكت الاقتصاديات العالمية منذ اندلاع شرارة الحرب في أوكرانيا.
وتوقع محللون في بنك "جي بي مورجان" أن تتأثر الأسواق الناشئة بشكل كبير بعد تشديد الأوضاع المالية العالمية، الأمر الذي يدفع نمو الأسواق الناشئة إلى الانخفاض الحاد خلال الربع الثاني من 2022، حيث تأتي هذه التوقعات بعد أقل من أسبوع على رفع الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا معدل الفائدة، بجانب استمرار عمليات الإغلاق في الصين، والتي أثرت سلبًا على البيانات الاقتصادية.
وفي هذا الشأن، يرى الدكتور عمرو صالح، الخبير الاقتصادي، أن التداعيات الاقتصادية للأزمة الأوكرانية أثرت بالسلب على الاقتصاد العالمي أجمع، إذ جاءت بعد أزمة جائحة كورونا، وفي الوقت الذي كانت هناك توقعات متفائلة بالنسبة لمعدلات النمو العالمية نتيجة انحسار تفشي فيروس كورونا ومتحوراته، إلا أن الأزمة الروسية الأوكرانية جاءت لتدفع معدلات النمو إلى التراجع من جديد.
وأضاف صالح في تصريحاته لـ”البوابة نيوز" أن أحدث التوقعات الصادرة عن منظمة التجارة العالمية خفضت توقعات النمو العالمي من 4.7% إلى 2.5%، وهذا يدل على أن هناك ركودا وتباطؤ على النظام العالمي، وهو ما يجلب ركود وأزمة في التجارة والإنتاج والاستهلاك، كما ينذر بتعطل وإغلاق بعض المصانع وزيادة البطالة وتأكل النمو الاقتصادي المحقق خلال الفترات الماضية.
وتابع: "الدليل على قوة الأزمة الحالية هو أننا لأول مرة نجد في أوروبا أزمة غذاء وزيوت، وذلك لأن معظم واردات الزيوت في الدول الأوروبية تأتي من أوكرانيا، كما أن روسيا وأوكرانيا تتحكمان في 80% من إنتاج الحبوب مما يسبب قلق وموجة جوع في الدول الفقيرة وغيرها من الدول، كما أن 35 بلدا من أصل 55 يستوردون القمح والحبوب من روسيا وأوكرانيا، كما أن 22 دولة تستورد الأسمدة من البلدين، وهي مؤشرات خطيرة".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن بنك التنمية الإفريقي يتوقع ارتفاعات شديدة في أسعار الأغذية وهو ما يؤثر بشدة على الدول الإفريقية، كما أن ارتفاع الأغذية سيصحبه ارتفاع في أسعار الطاقة "الوقود والكهرباء"، وغيرها من مستلزمات الإنتاج، ومن ثم قد نواجه نقص في سلاسل التوريد ونقص الإنتاج، مشددا على أن الحالة العامة في الأسواق تشهد تخوف شديد سواء من المستهلك أو من المنتج فالجميع لديه مخاوف وبخاصة المنتجين يتخوفون من الركود.
من جهته، أكد المحلل الاقتصادي الدكتور محمد أنيس، أنه بلا شك هناك مخاوف كبيرة في كل دول العالم بعد رفع أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي والذي كانت وستكون له تبعات كبيرة على الاقتصاد العالمي، وبخاصة الأسواق الناشئة، ومنها مصر بالطبع.
وقال "أنيس" في تصريحاته لـ"البوابة نيوز"، إنه في عام 2018 حدثت أزمة في الأسواق الناشئة بعد أن رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة لأكثر من 2.5 %، وفي الوقت الحالي الفيدرالي الأمريكي رفع الفائدة بمقدار 1 % تقريبا، ولكن في ذلك الوقت لم يتأثر المواطن البسيط بهذه القرارات لأننا كنا نواجه هذه الأزمة فقط، ولكن في الوقت الحالي هناك 3 أزمات مركبة ومتتابعة متتالية وهي أزمة كورونا وارتفاع التضخم نتج عنه ارتفاع الفائدة ثم جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأضاف المحلل الاقتصادي أن التقارير الدولية تؤكد أن الأزمات الحالية ستؤدي إلى سحب الأموال والسيولة من الأسواق الناشئة، وهو ما يتطلب إجراءات لمواجهة هذا الانسحاب، مشيرا إلى أن هذه الحالة تمنح مصر فرصة كبيرة وميزة نسبية أيضا، وذلك لأن هذه الظروف الصعبة تتحول إلى ميزة لأن السوق المحلية في مصر سوق استهلاكية كبيرة، وهو ما يدعم النمو الاقتصادي بالاعتماد على الاستهلاك الداخلي والمحلي".
وتابع: "كما أن الاقتصاد المصري اقتصاد متنوع، وبدأت مصر قبل سنوات في زيادة قدراتها وأصبحت مصر تصدر منتجات بأرقام كبيرة أعلى من السنوات السابقة، مضيفا أن هناك هدفا رئيسيا للاقتصاد المصري وهو زيادة الصادرات المصرية إلى 100 مليار دولار، كما أن معدل نمو الصادرات السنوي من 10 إلى 15 % حيث وصلت إلى 35 مليار دولار أو أكثر وهو أعلى معدل صادرات في تاريخ مصر.
واستطرد المحلل الاقتصادي، أن مصر تحتاج لتغيير طريقة التعامل والتفكير داخل السوق، ومعدل التضخم ارتفع لقرابة الـ 14.9%، وارتفعت الصناعات الغذائية بنسبة 29 % وذلك بسبب اعتماد مصر على المواد الخام المستوردة، ومدخلات الإنتاج مستوردة، وتعتمد في التسويق المحلي فقط، وهو ما يتطلب التغيير إلى بدائل محلية، وكذلك التوسع في التصدير وفتح أسواق جديدة.