كل عيد من الأعياد سواء الدينية أو القومية أو الاجتماعية له صاحب نحتفى به ونهنئه، فعلى سبيل المثال لا الحصر فى عيد الأم نحتفل بأمهاتنا ونعبر لهن عن امتناننا وتقديرنا وحبنا، وفى أعياد ميلاد الأحباء نفرح بهم ونضىء لهم شمعة ونحتفل بمرور السنين على ميلادهم مع التعبير عن أطيب أمنياتنا لهم بعمر مديد، وفى أعياد الزواج نحتفل باثنين قد ارتبطا معاً فى عهد الزواج المقدس، وكونا أسرة جميلة.
وفى عيد ميلاد المسيح نحتفل ونفرح بتنازله وتجسده على أرضنا ليتمم لنا أمر خلاصنا.
أما عيد القيامة فهو يختلف عن كل هذه الأعياد، فنحن لا نهنئ مسيحنا لأنه قام من الموت ذلك لأن القيامة بالنسبة له أمر طبيعى لا يحتاج إلى تهنئة، ولا يثير فينا الدهشة والانبهار... فهل من المنطق أن مَنْ أقام الموتى لا يقوم من الموت؟! إن انتصار المسيح على الموت في موقعة الجلجثة لم يكن الانتصار الأول، فلقد سبقتها انتصارات كثيرة في معارك ضارية أذكر منها:
(1) ففي يوم من الأيام التقى الرب يسوع مع ملك الأهوال عند أبواب نايين، وكانت الضحية شاباً وحيداً لأمه.. قلبها النابض، وعكازها الوحيد، ونافذة الرجاء التي تطل منها على الدنيا.. أشفق الناس على قلبها المحطم ، ولكنهم أحنوا هاماتهم أمام سلطان الموت ، أما الرب يسوع فأبى إلا أن ينتزع الفريسة من فم الجبار، وقال بصوت آمر مقتدر : " أيها الشاب لك أقول قم " وعاد الابن إلى الحياة فدفعه إلى حضن أمه (لوقا ص7).
(2) تصور عدسة الوحى المقدس رجل اسمه يايرس وهو يقع عند قدمي الرب يسوع ، والدموع تنساب من عينيه على خديه ، عندما كانت ابنته الوحيدة تلفظ أنفاسها الأخيرة . وبينما يايرس يتكلم جاء واحد من دار رئيس المجمع قائلاً له:" قد ماتت ابنتك "، فانهار يايرس على الأرض باكياً، ولكن الرب يسوع راح يأخذ بيده ويربت على كتفه ويكفكف دموعه ويقول له:" لاتخف آمن فقط" وانطلق به إلى البيت وبينما الجموع تبكي وتنتحب، قال السيد:" لم تمت الصبية لكنها نائمة ".. وابتسم البعض ابتسامة السخرية والتهكم فلم يدركوا وقتها أنه رب الحياة .. إله المعجزات .. فليس عجيباً أن يقول : "يا صبية قومي "... وبالفعل أقامها (لوقا ص8).
(3) وعاد ملك الأهوال ليجرب حظه من جديد ، وكان في هذه المرة قد أطبق على الفريسة بقبضة من حديد ، فالميت قد أنتن إذ كان له أربعة أيام في القبر ، وتمت مراسيم العزاء ، ولكن ها هو رب الحياة يأتي ويعلن بكل قوة وسلطان قائلاً : " أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا وكل مَنْ كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد " وعند قبر لعازر وسط الجموع الغفيرة وبصوت عظيم وبصيغة الأمر قال { لعازر هلم خارجاً } (يوحنا ص11) فللوقت قام من قبره.
على أن أعظم تلك المعارك جميعاً كانت معركة الصليب، فيومها بدا الموت وكأنه انتصر على الحياة وبدا الظلام وكأنه أدرك النور، وبدا الوجود وكأنه قبر كبير.
كيف لا ؟! وقد قاد جماعة من اليهود سيدي إلى محكمة ظالمة غادرة تتسم بالجهل والحقد والأنانية وانتهت بصليب الجلجثة... ووقتها قالوا: وصلنا للنهاية.. انتهت الرواية .. تحققت الغاية .. أُسدل الستار .. ضُرب الراعي .. تشتت القطيع !! ولكن كيف يمكن أن يكون الصليب والقبر نهايته.. ؟!
أجل ! إن سحابة الجور قد تغطي إلى حين شمس العدالة، وقد تحرس المظالم باب الرجاء لتسجن نور الحقيقة عن الظهور، وقد يخلع الشيطان على الظلم صفة الشرعية.. لكن صبراً فهذا الحجر الذي أرادوه سداً منيعاً ، جعله الفادي المقتدر برجاً شامخا ً، أرادوه حجر عثرة في طريق الحق ، فإذا برب الحق يجعله حجر زاوية في بنائه الشاهق .. ما أعجب تفكيرك أيها الإنسان .. فهل من المنطق أن يقف الحجر حائلاً أمام صخر الدهور؟!! وهل يُعقل أن يمنع الحراس الشمس من الشروق.. بكل تأكيد لا وألف لا !!! لقد عاد جيش الموت مدحوراً، وأقبل رب الحياة رافعاً لواء الغلبة ظافراً منصوراً هاتفاً أين شوكتك أيها الموت، أين غلبتك أيها القبر وأيتها الهاوية، لقد أبُتلع الموت إلى غلبة (1كو15: 54) ودقت نواقيس النصر ، وصدحت موسيقى السماء وعلا هتاف الملائكة : " المسيح قام .. بالحقيقة قام " فهل من المنطق أن نطلب الحي بين الأموات.
ففى عيد القيامة مَنْ نهنئ؟! لقد أجاب الرسول بطرس على هذا السؤال عندما تأمل فى قيامة المسيح فشدا مرنماً هذه القيامة لأنه وجد فيها ميلاداً جديداً لكل المؤمنين بالمسيح فقال فى سعادة غامرة " مُبارَكٌ اللهُ الذى ولَدَنا ثانيَةً لرَجاءٍ حَيٍّ، بقيامَةِ يَسوعَ المَسيحِ مِنَ الأمواتِ، لميراثٍ لا يَفنَى ولا يتدَنَّسُ ولا يَضمَحِلُّ، مَحفوظٌ في السماواتِ لأجلِكُمْ، أنتُمُ الذينَ بقوَّةِ اللهِ مَحروسونَ، بإيمانٍ، لخَلاصٍ مُستَعَدٍّ أنْ يُعلَنَ في الزَّمانِ الأخيرِ"(1بط1: 3- 5). فعيد القيامة هو فى الواقع ... عيد ميلاد جديد لكل إنسان خاطئ قام من قبور خطاياه، ويتمتع بالمسير مع الله، ويحيا فى مخافته ورضاه، ويترجم وصاياه إلى أسلوب حياة.
الدكتور القس ﭽورﭺ شاكر
نائب رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر