أحد الشعانين وهو عيد دخول المسيح أورشليم، ويُسمّى: أحد الخوص، وأحد السعف، وأحد الزيتونة، وأحد هوشعنا، ويسميه اللاتين عيد الأغصان. هو أحد أجمل أعياد الكنيسة وأكثرها إبهاجًا، واللحن الذي تستخدمه الكنيسة في ليتورجية ذلك اليوم - وكذلك في عيدي الصليب - يُعدّ أكثر ألحان الكنيسة بهجة. إنه يوم بطعم الانتصار، ويُحسَب ”بروفة“ لأحد القيامة، ويكتسب شعبية نادرة، ويضفي عليه السعف والأغصان فرحة خاصة.
ظهور المسيا: تخيل الرابيون اليهود قبل زمن المسيح بمدة كبيرة، هذا المشهد عند ظهور المسيا، وكيف يقف سكان أورشليم علىأسوارها مع الكهنة، في حين يتقدم موكب المسيح نازلًا من جبل الزيتون مع رجال يهوذا، ويبدأون في التسبيح بالأنتيفونا (نظام المرابعة في التسبيح وكان ذلك معروفًا لدى اليهود)، ولذلك فقد خرج الشعب بتلقائية ليستقبل المسيح بنفس كلمات مزمور 118 «رتِّبوا موكب العيد بأغصان الشجر حتى إلى قرون المذبح»؛ ومن بين الكلمات المأثورة في ذلك الاحتفال:
الدورة: كانت تتم في المدينة كلها أو القرية، وبسبب تغيُّر الظروف انحسرت داخل الأديرة والكنائس، وفي أربع أركان الكنيسة فقط، وفي بعض الكنائس الأخرى كالكنيسة اليونانية يحتفلون بها بعد القداس الإلهي.
أوصنا: أو هوشعنا (ومنها الشعانين) أي خلِّصنا، وهي لفظة آرامية yeso أي خلِّص ومنها اسم يسوع yesoh.. ومع الوقت بدأت الكلمة تتخذ معنى التهليل، وذلك لظهور المخلّص نفسه، وكان معنى الهتاف: ليتك تأتي لتكميل الخلاص. وأمّا الذين تقدموا فهم الأنبياء، والذين تبعوا فهم الرسل والتلاميذ. هذا وقد استقر في التقليد أن الأطفال استقبلوا المسيح وهم يحملون الأغصان، رغم أن الأناجيل لم تذكر ذلك بالتحديد، وأمّا تقديم الثوب لشخص ما فإن معناه ترشيحه للرئاسة، أو تقديم علامة الخضوع. تقول السائحة ايجيريا، والتي زارت الأراضي المقدسة في القرن الرابع، فقالت إن الحُجّاج كانوا يخرجون بعد الظهر من كنيسة الجلجثة في موكب بالأغصان حتى كنيسة القيامة، ويعودون أدراجهم إلى نفس الكنيسة، وورد في التقليد كذلك أنالذين استقبلوا السيد المسيح أخذوا أغصان زيتون وجوز وتين.
أوصنّـــا هي كلمة الهتاف الرئيسية في العيد، ومصدرها قول المزمور «آهِ يا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يا رَبُّ أنقِذْ!» (مزمور 118: 25)، ولأصل الكلمة مفهوم مسياني كما شرحنا، وهو صيغة توضّح طلب الخلاص، ثم أصبح هتافًا يُقال في عيد التجديد ليرسل لهم الرب مخلصًا مثل يهوذا المكابي، ثم تحول المعنى ليصبح تعبير هتاف فرح، وقد اُستُخدِمت في عيد المظال بهذا المعنى ليُطلَق على اليوم السابع منه ”يوم أوصنّا العظيم“. وهكذا هتف بها الشعب في يوم دخول المسيح أورشليم باعتباره المسيا الآتي، إتمامًا لنبوة زكريا (زكريا 9:9) وهي اختيار من (زكريا 9:9 وإشعياء 12: 11).
أوصنّا لابن داود = أوصنًا يا ابن داود
وبحسب إنجيل متى: المجد لمن أعطانا الخلاص = المجد لابن داود، وفي العهد الجديد اُستُخدِمت بمعنى تسبيحي وليس توسُّلي، فعند استشهاد القديس يعقوب من أعلى جناح الهيكل صرخ الجميع ”أوصنّا لابن داود“.
وهكذا حملت العباره كل التوقعات والآمال المسيانية التي تحققت بالفعل في المسيح يسوع.
مجيء المسيح إلى أورشليم: بعد سماع الجموع بخبر إقامة لعازر، توقع الجميع مجيئه إلى أورشليم للعيد وكان الزحام شديدًا، وكان الطريق العام الذي سلكه يسوع بجوار ”تل المشورة الرديئة“ (حيث كان سليمان قد أقام معبدًا وثنيًا)، وهناك قصر حنّان وقيافا رئيسيالكهنة. ولم تكن زيارة يسوع المسيح رحلة فتنة لإثارة الحماس الديني السياسي لدى الجمهور، ولا بكبرياء مستفزّة للاحتفال بانتصار، بل مجرد انفجار فرح ريفي لجليليين بسطاء مساكين.
وأما الجحش والأتان: وإن كانا يشيران إلى اليهود والأمم، أو لاستخدام كل منهما بحسب طبيعة الأرض، فليس المهم الركوبة ولكن المهم الراكب، والذي يعطي أهمية لما يركبه أو ما يستخدمه، مثل تقديس الشيء وتقديس المادة نفسها لتصبح مقدسة بدورها بعد ذلك.
ولكن الرب في هذه المناسبة، ومع هذه المشاعر وهذه المظاهر، بكى على المدينة، وهو آتٍ إليها رغم ما كانت تبدو عليه من عظمة وبهاء لا يوجد مثله.. لم يبكِ من آلامه ولكن بكى عليها، ولم يرفع يده عليها بل رفع يده عنها... فخاطبها بمرارة: «آه لو كنتِ تعلمين ما هو لخلاصك،ولكن قد أُخفِي عن عينيكِ..»
أمّا نحن: فإننا نستقبلك يا يسوع كملك، نحن متشوِّقون إلى الخلاص الذي ستقدمه لنا بعد معاناة البشرية، هذا ما نملكه لنعبّر عن محبتنا له بشكل بسيط. لقد راح الشعب يتطلّع إلى الموكب من الكوى والشبابيك، وما أن وصل الموكب إلى جبل المُريا حيث ترجّل يسوع ليدخل إلى الهيكل.
كل سنة والجميع بخير...