على مائدة«البوابة» الثقافية خلال شهر رمضان، مثقفون وأدباء يتحدثون عن البدايات وكيف تكونت شخصية المثقف، ومدى تأثرهم بالأدب العربى والعالمى، ذكريات وطقوس المثقفين خلال الشهر المبارك، الدراما ومسلسلات رمضان من وجهة نظر المثقفين، ونصائح للجيل الجديد والشباب.. حوارات يومية على مدار الشهر. موعدنا اليوم مع حوار جديد من حوارات رمضان الثقافية مع الروائى ناصر عراق، وإليكم نص الحوار.. ■ حدثنا عن ذكرياتك مع شهر رمضان فى الطفولة.. كيف تفتح وعيك بطقوس الشهر المعظم فى الصغر وما أبرز المواقف العالقة فى ذهنك تجاهه؟ - بينى وبين الشهر الكريم علاقة مودة ممتدة لأكثر من نصف قرن، فذاكرتى تحتفظ بسحر هذا الشهر وطقوسه منذ النصف الثانى من ستينيات القرن الماضى، حيث تجتمع الأسرة لحظة الإفطار حول المائدة التى يتصدرها أبى المرحوم عبدالفتاح عراق، ولأن ترتيبى السادس بين أشقائى، فنحن سبعة، فقد تعلمت كيف أنصت إلى الكبار وهم يتحدثون، ومن حسن الحظ أن والدى كان مثقفا عصاميًا بامتياز، فكانت النقاشات التى تدور على مائدة الإفطار تتراوح بين الفكر والأدب والدين والفن والسياسة، خاصة بعد هزيمة ١٩٦٧، وهكذا تلقت مسامعى وأنا طفل أسماء عبدالناصر، ديجول، أحمد بن بيللا، هوارى بومدين، ياسر عرفات، جيفارا وجونسون، بريجينيف، لينين، ماوتسى تونج، طه حسين، توفيق الحكيم، دوتسوفيسكى، جوجول، أحمد شوقى، نجيب محفوظ، نجيب الريحانى، يوسف وهبى، أم كلثوم، عبدالوهاب، وعبدالحليم حافظ. كما كان للمقرئين الكبار حضور واضح فى أحاديث الوالد والأشقاء أمثال محمد رفعت وعبدالباسط عبدالصمد ومصطفى إسماعيل وعبدالعظيم زاهر وغيرهم. أذكر أيضا كيف كنت أنتظر بشغف كبير المسلسل الإذاعى الرمضانى الذى يذاع عقب مدفع الإفطار والأذان وابتهالات الشيخ سيد النقشبندى التى كانت ترج كيانى رجّا. وفى التليفزيون كنا نشاهد بفرح كبير الفوازير التى يقدمها ثلاثى أضواء المسرح، ولما مات الضيف أحمد خشيت أن تتوقف، لكن سمير وجورج واصلا تقيدمها بعد ذلك. كما لا يمكن أن أنسى ليالى السحور، حيث أقف مشدود الأعصاب فى شرفة شقتنا البسيطة بمنطقة المؤسسة بشبرا الخيمة لأطل على عم موسى المسحراتى الذى يجوب المكان حاضًا الأسرة على الاستيقاظ من أجل تناول طعام السحور. كذلك كنت أنصت إلى برامج الإذاعة مثل «أحسن القصص»، و«المسحراتى» التى كتب أشعارها فؤاد حداد وتولى سيد مكاوى تلحينها وأداءها، والمسلسل الساحر ألف ليلة وليلة للسيدة المدهشة زوزو نبيل.
■ ماذا عن طقوسك فى شهر رمضان الآن؟ - أذهب إلى مكتبى يوميًا قبيل الفجر، حيث أشغل موقع مدير تحرير مجلة «حروف عربية» التى تصدرها مؤسسة «ندوة الثقافة والعلوم» بدبى، وأتناول إفطارى فى المطاعم بكل أسف، لأنى أعيش بمفردى منذ أربع سنوات تقريبًا، فخسرت «طعم الأكل البيتى». ثم أمارس حياتى بشكل عادى، أقرأ كثيرًا، وأكتب، وأتابع باهتمام أحوال مصر والعالم، ويوم الجمعة ألتقى ابنى الأصغر باسم، وهو فى الصف الثانى الثانوى، لنتناول طعام الإفطار معًا فى أحد المطاعم بدبى
. ■ هل هناك كتب معينة تستعيد قراءتها فى هذا الشهر؟ - هناك مجموعة من الكتب تظل قريبة من تناول يدى طوال العام، وليس الشهر الفضيل فقط، لأنى أحتاج إليها فى عملى، سواء فى الروايات التى أعكف عليها، أو فى مقالاتى ودراساتى، منها على سبيل المثال: الكتب الدينية المقدسة... القرآن الكريم وكتب التفسير والسيرة النبوية، والكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وشخصية مصر لجمال حمدان بأجزائه الأربعة، وتاريخ القرآن لتيودور نولدكة، وفجر الضمير لجميس هنرى بريستيد، وكتب تاريخ مصر التى كتبها ابن إياس والمقريزى وابن تغرى بردى والجبرتى، وتاريخ الفلسفة الغربية لبراترند راسل، والفن والمجتمع عبر التاريخ لأرنولد هاوزر، ودواوين المتنبى وشوقى وأبى نواس وصلاح عبدالصبور وحجازى ومحمود درويش ونزار قبانى.
■ كيف ترى الدراما التى يتم تقديمها فى المواسم الرمضانية؟ ومن أبرز النجوم أو الكتاب الذين تحرص على متابعتهم؟ - كما قلت لحضرتك سابقا، علاقتى بالدراما فى رمضان تشكلت منذ الصغر، وكنت حريصًا فيما مضى على مشاهدة الأعمال التى يقدمها المخرجون محمد فاضل، إسماعيل عبدالحافظ، ويحيى العلمى، كذلك تلك التى يكتبها أسامة أنور عكاشة وصالح مرسى، أما النجوم، فكنت أتابع ما يقدمه النجوم الذين ظهروا فى صباى أمثال محمود ياسين، عادل إمام، محمود عبدالعزيز، ثم يحيى الفخرانى، كما أحببت أعمال محمود مرسى، عبدالله غيث، يوسف شعبان، عبدالرحمن أبوزهرة، محمود الحدينى، جميل راتب، سناء جميل وسميرة أحمد، والآن أتابع ما يقدمه الصديق العزيز الفنان خالد الصاوى، وكذلك ما تقدمه الفنانات يسرا، منى زكى، ونيللى كريم، وقد تابعت العام الماضى مسلسل «لعبة نيوتن» وأعجبنى، كذلك ما تقدمه كاملة أبوذكرى، فقد استمتعت بمسلسل «بـ١٠٠ وش». لكن دعنى أخبرك بصراحة أنه من المحال متابعة عشرات المسلسلات التى تعرض فى رمضان لأن ذلك يبدد الوقت.
■ كيف بدأ اهتمامك بالكتابة والأدب من الطفولة؟ - أظننى عشقت الكتابة، والإبداع بشكل عام منذ الصغر، والفضل يعود إلى والدى الذى غرس فى وجدان أبنائه حب الأدب والفن، فحظيت بأشقاء كبار فتحوا أمامى آفاق الإبداع رغم أنهم لم يمارسوه بشكل محترف، لكنهم كلهم شغوفون بالأدب والفن، بصورة مدهشة. ■ من أبرز الكتاب الذين أثروا فكريا عليك؟ - لا شك أن هناك عددًا لا بأس به من المفكرين والمبدعين تأثرت بأفكارهم وآرائهم فى مقتبل العمر أمثال طه حسين، نجيب محفوظ سلامة موسى، شوبنهاور، سبينوزا، ماركس، دارون، فرويد، سارتر، لينين، تروتسكى، كيركيجارد، راسل، ماركيز، وهربرت ريد وغيرهم، هذا حدث فى فترات التشكيل الأولى فى أثناء الدراسة الجامعية، وبعد ذلك تنصهر أفكار هؤلاء فى عقلى وضميرى ووجدانى، وتتلاقح مع الخبرات الحياتية الشخصية فتصمد الأفكار الصحيحة وتتطور، وتتلاشى الأفكار التى لا تصمد لاختبار الزمن وتناقضاته، ليشكّل المرء بعد ذلك فلسفته الخاصة فى الحياة. ■ وما أبرز الكتب التى شكلت وعيك فى مرحلة التكوين؟ - هناك كتب كثيرة، وأظن أننى ذكرت بعضها فى إجابتى عن سؤال سابق. ■ من أبرز الكتاب الذين تحرص على متابعة أعمالهم على الساحة الآن؟ - أحرص بشكل عام على متابعة إبداعات زملائى وأبناء جيلى، كما أتابع باهتمام إنجازات الشباب فى الرواية والشعر والنقد الأدبى
. ■ ما أهم الكتب التى تنصح الجمهور بقراءتها ولماذا؟ - يا عزيزى.. الإنسان بطبعه ينفر من النصائح. ومن حسن الحظ أن الإنترنت أتاح المعلومات للجميع بضغطة زر، والذكى من يستطيع استثمار وقته فى القراءة المفيدة.
■ ما رأيك فى مصطلح القراءة السريعة الذى انتشر بشكل كبير بين الشباب وكأنه موضة؟ - أتخيل أن القراءة عمل جاد يستوجب ذهنا صافيًا وتركيزا شديدًا، لذا أظن أن القارئ النبيه هو الذى سيستفيد من القراءة، بينما القارئ الكسول هو الذى سيتعامل معها باستخفاف.
■ كيف ترى تأثر الأدب المصرى بالأدب الأجنبى عبر الأزمنة؟ - لا شك أن الإبداع المصرى تأثر كثيرًا بما أنتجته أوروبا، ليس فى الأدب فقط، بل فى كل شيء، ولك أن تعلم أن جامعة أكسفورد بإنجلترا تأسست عام ١٠٩٦، بينما جامعة القاهرة تأسست عندنا عام ١٩٠٨، أى بيننا وبينهم أكثر من ٨٠٠ عام فى العلوم والمعارف والآداب، وهذا فى حد ذاته ليس مشكلة كبرى.
■ أمنية أدبية تتمنى أن تتحقق؟
- أرجو أن أظل أكتب روايات حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولًا.