تسعى الصين إلى السلوك في طريق جديد، لبسط نفوذها على منطقة القرن الأفريقي عن طريق مبادرة أطلقها مبعوثها الجديد شيويه بينج، بتشكيل منظمة تحت مسمى «اتحاد دول القرن الإفريقي»، سيعلن عنها خلال مؤتمر يتنافس على استضافته كينيا وإثيوبيا، ويعقد شهر يونيو أو يوليو المقبلين.
وتحدث «بينج» عن هذه المبادرة خلال جولته في القرن الأفريقي الأسبوع الماضي مع رؤساء دول إريتريا وجيبوتي والصومال وكينيا وجنوب السودان وأوغندا، وكان المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط، تشاي جيون، التقى رئيس المجلس السيادي السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وسلمه رسالة تتعلق بالمقترح.
بنود المبادرة
وفيما يتعلق ببنود المبادرة الصينية، فإنها تشمل عدة أوجه ما بين الاقتصادي والسياسي والأمني، أبرزها توحيد عملة الدول التي ستنضوي تحت «اتحاد دول القرن الأفريقي»، وإعفاء من رسوم التأشيرات بينهم، وإنشاء خطوط سكة حديد ومواصلات تربط بين عواصم هذه الدول إلى جانب تفعيل التجارة والتعاون الاقتصادي بدعم مباشر من الحكومة الصينية.
وفي يناير الماضي أعلنت بكين تعيين مبعوث خاص للقرن الأفريقي، لدعم الجهود المبذولة للتغلب على التحديات الأمنية الحالية وضمان السلام والازدهار في المنطقة على المدى الطويل.
الصين وأفريقيا
وتسعى الصين دوما إلى توطيد علاقتها بالدول الأفريقية عمومًا، ويبلغ النشاط الاقتصادي للعملاق الأسيوي فى القارة السمراء ٣٠٠ مليار دولار سنويًا، وتحتل منطقة القرن الأفريقى مكانة خاصة حيث ترتبط ارتباطًا وثيقًا بطريق الحرير، وتأمين إمدادات النفط حيث تستورد ٧٪ من وارداتها النفطية من جنوب السودان، ومن المتوقع أن تحصل بكين على ربع احتياجاتها النفطية من أفريقيا فى ٢٠٢٥.
وقالت وكالة «ماكنزى» الأمريكية، في تقرير لها سبتمبر الماضي إنه من المتوقع أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من أفريقيا بحلول عام ٢٠٢٥ إلى ٤٤٠ مليار دولار، وتعمل أكثر من ١٠٠٠ شركة صينية في أفريقيا.
وكشف التقرير السنوي للعلاقات التجارية والاقتصادية الصينية الأفريقية، الصادر في سبتمبر من العام الماضي ٢٠٢١ أنه تم بناء ٢٥ منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجارى فى ١٦ دولة أفريقية جذبت ٦٢٣ شركة باستثمارات تجاوزت ٧ مليارات دولار ووفرت ٤٦ ألف فرصة عمل.
جغرافية دول القرن الأفريقى
ويتكون القرن الأفريقي من إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا، وينضم إليهما أيضًا السودان وجنوب السودان وأوغندا، وترجع الأهمية الاستراتيجية للقرن الأفريقى، إلى موقعه المتميز على طريق الشحن الرئيسى لنقل النفط من الخليج العربى إلى أوروبا والولايات المتحدة، كما أن المنطقة مليئة بالأنهار والبحيرات والغابات والثروات الحيوانية، ولديها رواسب غنية غير مستغلة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك الذهب والنفط والغاز الطبيعى، لذا تُعتبر منطقة القرن الأفريقى هى البوابة التى تشهد مرور التجارة الصينية من البر الصينى باتجاه أوروبا.
موانئ القرن الأفريقى
يوجد حوالي ١٣ ميناء في منطقة القرن الأفريقي، لها دورًا بارزًا فى حركة التجارة حول العالم، أبرزها ميناء بورتسودان، وهو الميناء الرئيس في السودان، بالإضافة إلى ميناء جيبوتي، وهو الوحيد الذي يعتمد مواصفات القانون الدولي لأمن السفن والموانئ الأمريكي في شرق أفريقيا، وبه محطة الحاويات الوحيدة في المنطقة وهي «محطة دوراليه» التي افتتحت في ٢٠٠٩، واشترت الصين في ٢٠١٣ حصة قدرها ٢٣.٥٪ في تلك المحطة.
وفي إريتريا يوجد ميناءى عصب ومصوغ، وقد أبرمت أسمرة اتفاقا مع شركة «موانئ دبى» العالمية، في ٢٠١٥ بتأجير المينائين للشركة الإماراتية لمدة ٣٠ عامًا، مع منح الحكومة الإريترية ٣٠٪ من الأرباح.
وتعد الصومال أكثر الدول التي تملك موانئ في القرن الأفريقي، أهمها ميناء بربرة الذي يعد عصب الاقتصاد الصومالي، وتستخدمه إثيوبيا في معاملاتها التجارية، واستحوذت عليه شركة موانئ دبي العالمية في ٢٠١٥ بحق انتفاع لمدة ٣٠ عامًا، وفي الساحل الشمالي الشرقي للصومال قرب خليج عدن يوجد ميناء هوبيو الذي حصلت عليه قطر في ٢٠١٩ باتفاق يهدف لتطويره، إلى جانب ميناء مقديشيو الذي يعد أحد أبرز موانئ الصومال، وفي شرق البلاد يوجد ميناء بوصاصو، وميناء كسمايو في ولاية جوبالاند على الساحل المحاذي لكينيا ويطل على المحيط الهندي، بالإضافة إلى ميناءي «مركا وبراوة» و«زيلع».
وفى كينيا ميناءى ممباسا ولاما، وفي تنزانيا ميناء باجامويو، وأبرمت الصين بالمشاركة مع سلطنة عمان اتفاقا لتطويره بقيمة ١٠ مليار دولار.
قاعدة عسكرية
ونظرًا للأهمية الاستراتيجية لدولة جيبوتي، فقد أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية خارج حدودها في جيبوتي بهدف تأمين حركتها التجارية وواردتها النفطية، ناهيك عن تمويل بنك الصين للاستيراد والتصدير خط سكك الحديد الرابط بين ميناء جيبوتي والعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بمسافة ٤٧٠ ميلا وبتكلفة ٤ مليارات دولار.
ماذا تريد الصين من القرن الأفريقى؟
تجدر الإشارة إلى أن منطقة القرن الأفريقي هي منطقة تنافس دولي بين القوى الكبرى، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة والصين، إلى جانب فرنسا وتركيا والإمارات.
وفي هذا السياق، قالت فريدة روطان الباحثة الجزائرية في الشئون الأفريقية بجامعة الجزائر ٣، إن توغل الصين فى أفريقيا ليس بالجديد على الباحثين المهتمين بتحركات الصين الخارجية، ولكن ما يلفت الانتباه هو تركيز الصين على القارة الذي تزايد منذ سنة ٢٠٠٠، فقد أسس منتدى التعاون الصيني -الأفريقي لتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين الصين ودول القارة السمراء، كما أنشأت قاعدة عسكرية لحماية مصالحها في جيبوتي تضم ١٠ آلاف جندي.
وأضافت «روطان» في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» أنه الملاحظ من خلال هذه التغييرات التي مست ثوابت السياسة الخارجية الصينية المتمثلة في عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، هو تغيير الرئيس الصيني الجديد لهذا المبدأ الذي تمسكت به الصين لأكثر من ستين عامًا، فقد أصبح السلوك الصيني الخارجي أكثر مرونة وأصبحت تسعى إلى لعب دور وسيط سلام في أفريقيا عمومًا، ومنطقة القرن الأفريقى خصوصًا، فبعدما كانت تقيم علاقات اقتصادية محضة مع دول القارة الأفريقية أصبحت اليوم تقيم علاقات سياسية، وتلعب دورًا مهمًا في الوساطة وإحلال السلام بين الدول محل النزاع.
وأشارت الباحثة الجزائرية في الشئون الأفريقية، إلى أن عزم الصين تنظيم مؤتمر لدول القرن الأفريقي خلال شهر يونيو المقبل، وتشكيل منظمة اتحاد دول القرن الأفريقى، هذه الخطوة التي يمكن قراءتها على توجهين، أحدهما معلن من طرفها يتمثل في إيجاد حلول سلمية لنزاعات دول منطقة القرن الأفريقي ومجابهة تحديات الأمن وتعزيز التنمية السلمية لدول المنطقة.
وثانيهما يتمثل في جملة الأهداف الخفية التي تخفيها الصين في سياستها الخارجية، فمعروف عن الصين أنها تعتمد «مبدأ جوانزي» في علاقاتها الخارجية خصوصًا في المجال الاقتصادي، حيث يعتمد هذا المبدأ على قاعدة رابح رابح، كما أن الصين تسعى إلى منافسة النفوذ الغربي في المنطقة من خلال عملها على غلق تمدد النفوذ الغربي وتوسعه على حسابها في أفريقيا لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، كما تسعى الى تقوية حجم استثماراتها وشراكاتها الاستراتيجية خصوصًا فى إثيوبيا التى تعتبر أكبر دولة متلقية للقروض والاستثمارات الصينية فى منطقة القرن الأفريقي، إلى جانب تمويل المشاريع التنموية في جيبوتي.
وتابعت الباحثة بجامعة الجزائر قائلة إنه من بين الأسباب هو سعي الصين إلى الاستحواذ على الثروات الطبيعية والأولية لدول القرن الأفريقي، خصوصًا معادن الكوبالت الذى تستخدمه في صناعة الهواتف النقالة والسيارات، ومختلف المعدات التكنولوجية، وتجدر الإشارة الى أن ما قد يساعد الصين في نفوذها في منطقة القرن الأفريقي هو حزمة العقوبات الأمريكية على إريتريا والسودان، وهو ما يمكن أن تستثمر فيه الصين بتقديم مساعدات مالية واقتصادية واستثمارات متنوعة لها وتوطيد علاقاتها بها ومنافسة الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك.
القوى الناعمة
وفي السياق نفسه قالت الدكتورة نجلاء مرعي، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية وخبيرة الشئون الأفريقية، إن الصين تسعى لجني مكاسب «القوة الناعمة» في إفريقيا منذ عقود لتعزيز نفوذها ووجودها في القارة السمراء، حيث أن أهم ما جاء في المقترح الجديد الذي يشمل التعاون الاقتصادى، الأمني والسياسي بين دول القرن الإفريقى، هو توحيد العملة بين جميع الدول، وإنشاء خطوط سكة حديد ومواصلات تربط بين عواصم دول القرن الإفريقي، وإعفاءهم من رسوم تأشيرات السفر، وتفعيل التجارة والتعاون الاقتصادي بدعم مباشر من الحكومة الصينية.
وأضافت «مرعي» في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» أن الخطوة الجديدة جاءت لملء الفراغ الذي خلفه تراجع دور الولايات المتحدة والدول الغربية في عدة قطاعات، والواقع أن خطط الإدارة الأمريكية أخفقت في التعامل مع العناصر الأقل وضوحًا في دبلوماسية بكين، وهو ما يعكس فهمًا محدودًا لدور الصين العالمي، حيث غالبًا ما يفكر صناع السياسات والخبراء الأمريكيين في برامج تطوير البنية التحتية ذات التكلفة الكبيرة مثل مبادرة «الحزام والطريق»، وبالفعل ردت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالإعلان عن خطة إعادة بناء عالم أفضل «بي دبليو ٣» لمواجهة نفوذ الصين في بلدان نصف الكرة الجنوبي، ولكن فمن الأفضل أن تبذل الولايات المتحدة جهدًا أكبر لفهم كيف تنجح سياسات الصين فعليًا، والمكاسب التي يمكن أن تجنيها الدولة من جهودها في إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم.
وأشارت الخبيرة في الشئون الأفريقية، إلى أن الصين تحاول إظهار نفسها باعتبارها الوجه الآخر المنفتح على العلاقات مع إفريقيا والمناوئة للعقوبات الأمريكية، بعدما فرضت واشنطن عقوبات على دول إفريقيا، منها إريتريا، بسبب تدخلها في أزمة إقليم تيجراي والحرب في إثيوبيا، مع الوضع في الاعتبار القاعدة العسكرية الصينية أن في جيبوتي، ومهمتها تموين وإسناد القطع البحرية الصينية المشاركة في عمليات حفظ السلام والمهمات الإنسانية، قبالة السواحل اليمنية والصومالية على وجه الخصوص.
موقف «صوماليلاند»
وتجدر الإشارة إلى أن منطقة صوماليلاند التي أعلنت الانفصال عن الصومال منذ ٣ عقود، وتسعى للحصول على اعتراف دولى، تنتهج سياسة مناوئة للصين، بإبرام اتفاقيات مع تايوان والولايات المتحدة، ليبرز تساؤل في هذا الشأن، حول إمكانية انضمام صوماليلاند للمبادرة الصينية.
وفي هذا الإطار قال خالد أيجيح، الباحث السياسي من أرض الصومال، إن صوماليلاند ترحب بأي تعاون بين دول المنطقة، وأي تعاون يلغي سيادتها فلن يكون فعالًا ولا مؤثرًا، حيث تشترك صوماليلاند في الحدود مع كلا من جيبوتي وإثيوبيا والصومال، ومن غير المنطقي الطلب من صوماليلاند الاشتراك في تأمين حدودها مع هذه الدول، وإنكار سيادتها في نفس الوقت.
وأضاف «أيجيح» في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» أن علاقات صوماليلاند التجارية مع تايوان، أغضبت الصين ولكن الرئيس الصوماليلاندى موسي بيحى أشار في لقاء صحفي في واشنطن مؤخرًا إلي أن علاقة بلاده مع تايوان لا يعني معاداة بكين، وأنه يرحب بالتعاون مع الصين في كافة المجالات شريطة عدم التدخل في سياسات بلاده الخارجية والداخلية، وأوضح الباحث السياسي أن صوماليلاند لن ترفض الانضمام لهذا.
الاستثمارات في إثيوبيا
وقالت الدكتورة ريم أبوحسين، الخبيرة فى الشئون الأفريقية إن الاضطرابات في إثيوبيا واندلاع اقتتال بين جبهة تحرير تجراى وحكومة آبى أحمد أظهرت حاجة الصين لتأمين استثماراتها في إثيوبيا، وكذلك في المناطق الأخرى من القرن الأفريقي، والذي يقع في نطاق مشروع الصين الأكبر وهو مبادرة الحزام والطريق وما يتضمنه ذلك المشروع من تنفيذ عديد من المشروعات الاستثمارية في مجال الطاقة وتأتي اثيوبيا على رأس الدول التي تستهدفها السياسة الصينية فقد قامت بكين بتقديم تمويل كبير للحكومة الأثيوبية لبناء شبكة خطوط نقل الكهرباء من سد النهضة إلى المدن الإثيوبية، كذلك تقوم الشركات الصينية بتنفيذ أعمال البناء بالسد.
وأوضحت «أبوحسين» في تصريحات خاصة لـ«البوابة نيوز» هنا نجد أن مصلحة الصين تقتضي حماية سد النهضة، وتكوينها مثل هذا الاتحاد المزمع انشائه سيمثل جبهة مناوئة لمصالح مصر الاستراتيجية في القرن الافريقي، خاصة عندما يتضمن هذا الاتحاد دولة إثيوبيا تحت قيادة آبي أحمد التي تعمل حكومته منذ توليها السلطة في البلاد على الإضرار بمصالح مصر المائية.