كتبت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، تقريرًا عن الأوضاع فى لبنان جاء فيه:
لطالما كان للبنان جالية كبيرة في الشتات بعد موجات من الهجرة على مدى القرنين الماضيين، لا سيما نتيجة الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا وانتهت في عام 1990.
والآن مرة أخرى، مع غرق البلاد بشكل أعمق في الانهيار الاقتصادي، فإنها تواجه أزمة نزوح جديد لألمع مواطنيها وأفضلهم تعليمًا.
يضطر العديد من اللبنانيين إلى مواجهة التضخم المفرط وانقطاع التيار الكهربائي ونقص الكهرباء، ولا يثقون كثيرًا بالمستقبل.
لقد فقدوا الأمل في أن يتخذ قادتهم المنقسمون إجراءات لمواجهة الانهيار المالي الكارثي للبلاد.
بعد عامين من بداية الأزمة المالية والمصرفية، لم يتم عمل الكثير لإنقاذ الاقتصاد المتدهور فيما وصفه البنك الدولي بـ"الكساد المتعمد أو المدبر من قبل النخبة التي استولت على الدولة".
قال البنك الدولي في ديسمبر: "ما زال على لبنان تحديد مسار ذي مصداقية نحو التعافي الاقتصادي والمالي، ناهيك عن الشروع في ذلك، ونتيجة لذلك من المرجح بشكل متزايد أن تستغل العمالة الماهرة فرصًا محتملة في الخارج، مما يشكل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلد".
من بين اللبنانيين الذين يبحثون عن وظائف في الخارج مهنيون سابقون يتقاضون رواتب جيدة والذين أغلقت البنوك حساباتهم بالدولار، وشباب لا يرون أي مستقبل في وطنهم.
يفكر حوالي 40% من السكان البالغ عددهم حوالي 7 ملايين في الهجرة، وفقًا لمسح حديث أجرته مؤسسة كونراد أديناور شتيفتونج، وهي مؤسسة فكرية ألمانية.
حوالي 40% من أطباء لبنان غادروا بالفعل إلى الخليج أو الغرب، إما بشكل دائم أو مؤقت، وفقًا للبنك الدولي.
كما انتقل ما لا يقل عن 10000 مدرس إلى الخارج بحثًا عن الوظائف، وفقًا لبعض التقديرات التي استشهد بها البنك الدولي.
فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 95% من قيمتها مقابل الدولار خلال العامين الماضيين، ما جعل رواتب المعلمين عديمة القيمة تقريبًا.
وجد الاستطلاع الألماني أن 40% من اللبنانيين اضطروا إلى الإقلال من الطعام وأن ثلثهم غير قادرين على تحمل تكاليف أدويتهم.
انغمس ثلاثة أرباع السكان في ما تسميه الأمم المتحدة "الفقر متعدد الأبعاد" وهو عنصر يشمل صعوبة الوصول إلى الصحة والتعليم والمرافق العامة بالإضافة إلى فقر الدخل.
بدأ التأثير المنهك لهجرة الأدمغة محسوسًا بالفعل في قطاع الصحة، فقد قال شرف أبو شرف، رئيس نقابة الأطباء إن المستشفيات الجامعية الرئيسية في بيروت، التي توظف أخصائيين من ذوي المهارات العالية فقدت ما بين 100 و150 طبيبًا.
وأضاف: "هذا يعني أنه لا يمكن القيام ببعض الإجراءات المتخصصة.. وهي ليست مجرد مسألة أطباء، فهناك نقص في الإمدادات والأدوية. إذا لم يتم تصحيح الوضع السياسي والمالي بسرعة، فإن الوضع الصحي سيكون في خطر".
في المركز الطبي بالجامعة الأمريكية في بيروت، قالت منى نصر الله، أخصائية الغدد الصماء، إن ثلاثة من أصل عشرة أطباء في قسمها ذهبوا إلى الخارج. وأضافت: "لقد زاد العبء الإكلينيكي والتعليمي والإداري.. الأمر أيضًا بات أكثر تعقيدًا الآن لأنه لا يمكنك إحالة المرضى إلى متخصصين معينين إذا لم يكونوا موجودين بالأساس".
لانا نور تبلغ من العمر 18 عامًا فقط وهي طالبة في علوم الكمبيوتر في السنة الأولى في الجامعة الأمريكية في بيروت، لكنها مثل العديد من زملائها في الفصل، لديها بالفعل هذه الرغبة في مغادرة لبنان بمجرد أن تنهي دراستها.
قالت: "سأغادر إلى العمل وآمل أن آخذ والدي معي.. في أي مكان سيوفر لي بيئة جيدة، لكنني أفضل مكانًا في الشرق الأوسط. إنه من أجل حياة جيدة. هنا الوضع في بلادنا غير مستقر، ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل".
كما يخطط جاد المصري، طالب الطب في السنة الخامسة، للمغادرة إما إلى ألمانيا أو أمريكا، قائلًا: "أريد أن أوفر دخلًا أفضل وتعليمًا أفضل وأسلوب حياة أفضل.. لا يمكن للسياسيين في لبنان أن يجلبوا لنا مستقبلًا جيدًا لأنهم فاسدون".