كما أن لكل حرب خسائرها ومكاسبها، فإن لها أيضًا فوائدها التى تكشف حقائق التاريخ الصلبة الواقعية وربما الصادمة بالنسبة للبعض.
بعيدًا عن منشأ هذا الصراع الدائر فى أوكرانيا والذى بدأ بنقض حلف النيتو لتعهداته بعد تفكك الاتحاد السوفيتى بعدم التوسع فى شرق أوروبا بضم دول متاخمة للحدود الروسية وتدخل فى مجال الأمن القومى لروسيا الاتحادية، ورغبته فى مواصلة هذا النهج لمحاصرتها بالعمل على ضم أوكرانيا مؤخرًا؛ تكشف الحرب الدائرة الآن حقيقة قناع الديمقراطية وحقوق الإنسان الذى يخفى الوجه القبيح ما تسمى بالحضارة الغربية وما تدعيه بشأن إنتاجها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لم يفترئ الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على الحقيقة عندما وصف دول حلف شمال الأطلسى بزعامة الولايات المتحدة بإمبراطورية الكذب، كرد فعل على حجم ما يعتبرها أكاذيب وافتراءات ينشرها الإعلام الغربى حول الحرب الدائرة فى أوكرانيا.
لن أدافع هنا عن مصداقية الإعلام الروسى وإن كان حريصًا دائمًا على استدعاء وجه النظر الغربية فى الصراع الدائر باستضافة مسئولين وسياسيين ودبلوماسيين أمريكيين وأوروبيين بحسب ما لاحظت، لكن أوروبا والولايات المتحدة الذين ملؤ الدنيا ضجيجًا بشعاراتهم المدافعة عن حرية الرأى والتعبير، سارعوا إلى حجب جميع وسائل الإعلام الروسية عن الرأى العام الغربى.
وفيما لاحظت أيضًا بدا الإعلام الغربى فى معالجة هذا الصراع إعلام الصوت الواحد مستبعدًا وجهة النظر الروسية ومن يدور فى فلكها تمامًا.
حتى مواقع إدارات مواقع التواصل الاجتماعى تويتر وفيسبوك بدأت تمارس بدورها هى الأخرى سياسات التعتيم والحجب، وبتجربة شخصية حاولت مشاركة خبر منشور على إحدى المواقع الصحفية المصرية على حسابى بموقع تويتر تناول حقيقة فيديوهات يتداولها الإعلام الغربى مفادها نجاح عشرات الصواريخ الأوكرانية فى إسقاط عشرات الطائرات الحربية الروسية؛ وعلى الفور أغلقت إدارة تويتر حسابى مدعية أننى خالفت القوانين لا لشئ إلا أن ذلك الخبر كشف أن تلك الفيديوهات مجرد لعبة كمبيوترية ابتكرها أحد الأشخاص فى تايوان.
على أية حال مندوب روسيا على مجلس الأمن تحدث عن استخدام الإعلام الغربى فيديوهات توثق لجرائم حرب ارتكبتها طائرات حلف النيتو ضد المدنيين فى ليبيا والعراق وسوريا وتم تقديمها باعتبارها فيديوهات حديثة تم تصويرها فى المدن الأوكرانية.
وبمناسبة جرائم النيتو ضد سكان الشرق الأوسط، خرج إعلاميون وصحفيون غربيون ينتمون لوكالات مثل CNN وCNBC ليكشفوا الوجه العنصرى لحضارتهم المدعاه بتصريحهم أن الأوكرانيين أوروبيين ولا ينبغى قتلهم أو تشريدهم مثل العراقيين والسوريين والأفغان والليبيين.
استخدام أساليب الدعاية السوداء المعتمدة على الكذب ليس نهجًا غريبًا على الإعلام الغربى المدافع عن الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، فبالأمس القريب بنى دعايته السوداء ضد العراق على أكذوبة امتلاكه السلاح النووى حتى يبرر تدميره وقتل شعبه واحتلاله وتفكيكه وتحويله إلى بلد تمزقه الصراعات الطائفية وبالأمس القريب سمعنا رؤساء حكوماتهم يعترفون بأن العراق لم يكن يمتلك سلاحًا نوويًا.
بالمناسبة الدكتور محمد البرادعى والذى كان يشغل منصب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية ساهم فى بناء تلك الأكذوبة حين قال عشية انطلاق طائرات حلف الشمال الأطلسى فوق سماء بغداد لتقتل العراقيين أن وكالته لم تستطع الوصول إلى دلائل تنفى امتلاك العراق سلاحًا نووى؛ بيان لم يرد تبرئة ساحة العراق وترك باب اتهامه مفتوحًا على مصراعيه ليكون مبررًا لسحقه.
البيت الأبيض فى واشنطن وقصر الإليزيه فى فرنسا وقصر باكينجهام فى لندن وغيرهم من العواصم الغربية برروا حجب وسائل الإعلام الروسية بأنها تنشر أكاذيب وشائعات من شأنها تهديد الأمن القومى وتشويش الرأى العام الغربى؛ نفس العواصم خرجت منها أصوات تصيح بالدفاع عن قيم حقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير عندما قررت الدولة المصرية حجب بعض المواقع الإخوانية والتابعة لتنظيمات إرهابية لأنها لا تنشر إلا الأكاذيب والشائعات المضللة أيضًا بهدف تشويش الرأى العام المصرى وتهديد الأمن القومى، بل أن بعضها كان ينشر طرق صناعة القنابل اليدوية البدائية لقتل واستهداف المصريين مدنيين وعسكريين على حد سواء.
لن ننسى فى مصر وجيراننا فى الدول العربية المحيطة أن واشنطن ولندن وعواصم غربية أخرى لم يمدوا أيديهم إلا لدعم التنظيمات الإسلاموية الإرهابية بدءًا من الإخوان وصولًا إلى داعش ولن ينسى المواطن العربى مشهد الطائرات الأمريكية وهى تسقط المؤن وملايين الدولارات على عناصر داعش فى العراق ودعمها عناصر هذا التنظيم الإرهابى بالعتاد والسلاح فى سوريا.
مجمل القول، لن تكون هذه الممارسات آخر دلائل الوجه القبيح لما تسمى بالحضارة الغربية كما أنها ليست الأولى فقد سمعنا جميعًا رؤساء حكومات فرنسا وبريطانيا وهم يقولون لا مكان لحقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بالأمن والاستقرار الداخلى، وشاهدنا رجال الشرطة فى واشنطن وباريس ولندن وهم يدوسون رقاب المتظاهرين السلميين، لكن ما ينبغى إدراكه أن هذه البلدان لن تقدم للحضارة الإنسانية قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير وإنما هى شعارات تستخدمها عبر آلة الإعلام الضخمة للسيطرة على الرأى العام الغربى والعالمى وإن كان هناك ما يمكن الحديث عنه باعتباره إسهامًا فى بناء الحضارة الإنسانية فلن يعدوا التقدم العلمى والتكنولوجى الذين يستخدمونه كأداة لاحتلال الأمم الأخرى ونهب ثرواتها انطلاقًا من نظرة عنصرية بحته ويكفى أن سيد البيت الأبيض وزعماء أوروبا بدأوا يسمعوننا ولأول مرة مصطلح المقاومة فى الحديث عن الأزمة الأوكرانية فيما تبنوا دائمًا مصطلح الإرهاب لوصم كل من قاوم الاحتلال الإسرائيلى أو الاحتلال الأمريكى فى أى بقعة من الأرض تواجد عليها الجنود الأمريكان كغاصبين ومحتلين.
آراء حرة
الآن تسقط حضارة الديمقراطية وحقوق الإنسان..؟!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق