طفلة صغيرة فى السابعة من عمرها ملامحها دقيقة رقيقة، تلعب وتملأ الدنيا فرحًا، تهرول بجانب محطة المترو، ولكنها لا تعلم مدى خطورة اقترابها من تلك القضبان المحظورة، وبالفعل فجأة جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث سقطت قدم الفتاة بين القضبان، ليكتب القطار مأساتها طوال العمر ببتر قدمها، حتى تذوق تلك الطفلة المرار لتصبح هى السيدة الستينية «أم مصطفى» التى تعمل «سايس» سيارات بالسيدة زينب.
على قدم واحدة تقف السيدة الستينية المعروفة باسم «أم مصطفى» وسط الشارع وتستند لتلك الطرف الصناعي الذي يرافقها منذ سن الثامنة من العمر، لتنظم تلك السيارات القادمة فى مكان عملها كـ حارس سيارات بحى السيدة زينب: «السايس بيمسح ويغسل السيارات»، إعاقة السيدة الستينية لم تجعلها تقوى على عمل السايس من مسح وغسيل، وبالتالى تعمل حارس للسيارات فقط: «الزبون بيجى عايز يركن العربية أنا اوقفه فى المكان اللى عايزة وهفضل جنبها احرسها لحد ما يجى ياخدها».
رغم أن السيدة الستينية تعانى من تلك الإعاقة ببتر قدمها إلا أنها لم تتسبب فى ايقافها عن العمل والسعي نحو تحقيق الذات، وبالتالى قررت أن تمارس تلك المهن واستغلال منطقة أمام منزلها ممتلئة بالقمامة: «انا اللى نظفت الحتة دى وخليتها ساحة انتظار سيارات، الحى حاول ياخدها منى ولكن بعد الاعتصامات اللى حصلت فى ٢٠١١قدام وزارة الصحة والسكان تم منحى هذه المنطقة من قبل الدولة».
منحت السيدة أم مصطفى تلك القصة من الأرض من قبل الدولة كنوع من الإيجار، ولكن معاناتها مع الحى لم تنتهى بعد: » الحى تاعبنى ومزهقنى من الايجار وحتى فى السكن، وكل الناس اللى بتعمل كسايس فى الشارع بيوقفوا العربيات قبل ماتوصلني، والحى بياخد منى ٢٢٠٠جنيه كل شهر».
إلى جانب معهد الكبد والأورام تعيش السيدة الستينية عمرها: «الفكرة بدأت معايا لما كنت قاعدة زهقانة قدام البيت جه واحد طلب منى يركن العربية قدام البيت، وواحد نفس الكلام، الفكرة جت فى دماغى جبت ناس شالت الزبالة اللى هنا، وعملتها ساحة للسيارات والناس بدأت تيجي تركن هنا».
عقب تنظيف المكان حصلت السيدة الستينية على المكان من الحى بإيجار ١٢٠٠جنيه شهريًا، وحينما تراكمت عليها المديونيات، قرر الحى تخفيض الإيجار لـ١٠٠٠ جنيه: » محدش راضى يجى ياخد الإيجار بعد التخفيض، وبقيت أدفع فى المحكمة ومعايا وصولات أمانة بده، ومن ٤أشهر حاولوا يحجزوا عليا ويطلعون ولكن لقوا الورق سليم طلبوا ١٥الف جنيه مني، ورغم كده مأجرين لناس تانية معايا فى نفس المكان اللى أنا ما أجراه».
وأما عن سبب الإصابة التى جعلت السيدة تعانى الأمرين طوال هذه الفترة،هى أثناء سقوطها بين قضبان الحديد، وتسبب القطار فى بتر قدمها: «اتجوزت وخلفت والإعاقة مش موقفانى فى حاجة، وركبت الرجل الصناعية علشان رجلى مبتورة من فوق الركبة، وقدمت القصر العينى على نفقة الدولة، عملوا لى الجهاز ده وأنا عندى ٨سنين، وبغيره كل ٣سنين، ومش بدفع فلوس عليها، وأدونى الموتوسيكل على نفقة الدولة».
ثلاث بنات أنجبتهم السيدة الستينية وهم من يقومون برعايتها فى هذه الأيام، ولكنها: «بناتى باعونى ومنهم اتنين مكملوش فى سياحة وفنادق والتالته لسه بتكمل ومش راضية تتجوز علشان هى تعولني، وابنى متزوج وساكن بعيد ولكنه مريض بالقلب ومش قادر يساعدني».
كل ما تتمناه السيدة الستينية هى أن الدولة تنظر إلى مأساتها وتعمل على حل مشكلتها فى تلك الساحة الصغيرة التي لا تتسع إلى ١٥ سيارة فقط، وتضع لها حلا مع الحى هناك، مختتمة: «القبض اللى باخده يادوب يكفي علاجي.