بدأت منذ قليل، أعمال الدورة الثالثة عشرة للمجلس التنفيذي لمؤتمر وزراء الأوقاف والشئون الإسلامية بدول العالم، برعاية الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وبرئاسة الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ، وزير الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية ورئيس المجلس التنفيذي لمؤتمر وزراء الأوقاف والشئون الإسلامية لدول العالم الإسلامي، وبحضور عدد من الوزراء، الدكتور نور الحق قادري، الوزير الاتحادي للشئون الدينية والتحالف بين الأديان، والشيخ الحاج موسى درامي وزير الحكومة المحلي والشئون الدينية بجامبيا، والدكتور عبد الله سليمان عقيل الدعج، أمين عام وزارة الأوقاف نائبًا عن وزير الأوقاف والمقدسات الإسلامية بالمملكة الأردنية، والسفير أحمد التازي، سفير المملكة المغربية بالقاهرة نائبًا عن وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية، وعبر الفيديو كونفرانس الدكتور قمر الدين، أمين وكيل الوزارة للشئون الإسلامية، نائبًا عن وزير الشئون الدينية بإندونيسيا، والسيد فريد أسد عبد الله عمادي وكيل وزارة الأوقاف نائبًا عن وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت.
وفي كلمته رحب الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف بضيوف مصر من وزراء الأوقاف والشئون الإسلامية بدول العالم الإسلامي، مؤكدًا أن اجتماع المجلس التنفيذي لوزراء شئون العالم الإسلامي يناقش في كل اجتماع من اجتماعاته عددًا من القضايا الهامة التي تشغل عامة المسلمين ، وقد قدمت وزارة الأوقاف المصرية لهذا الاجتماع بحثين هامين:
الأول : صناعة الفتوى وضوابط الإفتاء.
والثاني : ضوابط الحديث في الشأن العام ، وهو موضوع حديثي مع حضراتكم في لقائنا هذا.
وأوضح وزير الأوقاف، أن العام هو ما يتجاوز شواغل الفرد واهتماماته الشخصية إلى شواغل المجتمع واهتماماته وقضاياه العامة ، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية ، أم ثقافية ، أم أخلاقية وقيمية ، أم اجتماعية، أم رياضية ، مما يتصل بقضايا الوطن الكبرى أو الأمة، وأن الشأن العام الإسلامي يعني القضايا ذات الاهتمام المشترك بين جملة المسلمين أو عمومهم أو غالبيتهم أو شريحة واسعة منهم ، وكلما زاد الوعي بينهم بقيمة الشأن العام وخطورته زاد التعاون والتكاتف والترابط بينهم من أجل الحفاظ على أوطانهم وثوابت دينهم، فتتحققُ لهم قوة البنيان الواحد ، وشعور الجسد الواحد الذي حثنا عليه نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) ، حيث قال : "المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، وشَبّك بين أَصابعه"، وقال (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
وتابع"جمعة"، نَّ من يتصدى للحديث في الشأن العام عالمًا كان ، أو مفتيًا ، أو سياسيًّا ، أو اقتصاديًّا ، أو إعلاميًّا ، لا بد أن يكون واسع الأفق ثقافيًّا ومعرفيًّا فيما يتعرض له أو يتحدث عنه ، وأن أي إجراء فقهي أو إفتائي أو فكري أو دعوي أو إعلامي لا بد أن يضع في اعتباره كل الملابسات المجتمعية والوطنية والإقليمية والدولية المتصلة بالأمر الذي يتحدث فيه أو عنه ، حتى لا تصدرَ بعض الآراء الفردية المتسرعة في الشأن العام دون دراسة وافية، أو دون دراسة أصلًا ، بما يصادم الواقع أو يتصادم مع القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية ، مما قد يسبب ضررًا بالغًا لوطنه ودولته وربما صورة دينه وأمته ، سواء أكان ذلك عن قصد وسوء طوية أم عن تسرع وقِصَر نظر.
ولفت إلي أنه إذا كان أهل العلم والفقه على أن العالم الفقيه المجتهد أهلَ الاجتهاد والنظر المعتبر شرعًا إن اجتهد فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران ، فإن مفهوم المخالفة يقتضي أنَّ من اجتهد أو أفتى من غير أهل العلم والاختصاص فيما لا علم ولا دراية له به فأصاب فعليه وزر لجرأته على الفتوى أو إقحام نفسه فيما ليس له بأهل ، فإن اجتهد فأخطأ فعليه وزران ، وزر لخطئه ووزر لجرأته على ما أقدم عليه أو قام به بغير علم، كالطبيب المختص الذي يمارس الطب ويجتهد فيه فإن أخطأ خطأ مهنيًّا لا عن قصد ولا إهمال بما يقدره أهل الاختصاص في الطب فلا حرج عليه لا شرعًا ولا قانونًا ، أما لو مارس غير المتخصص في الطب عملية التطبيب فهو معاقب قانونًا حتى لو نجح مصادفة فيما قام به ، وذلك لحرص الإسلام على احترام الاختصاص ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى : "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"، كما أن القوانين المنظمة لشئون الناس والحياة مبنية على ذلك، فالحديث في الشأن العام دون وعي وإدراك تامّين يمكن أن يعرض أمن الوطن أو الأمة الفكري أو العام للخطر ، سواء أكان ذلك عن تعمد وقصد أم عن غفلة أم جهالة أم سبق لسان ، لمن لا يملكون أنفسهم ولا ألسنتهم ولا سيما أمام الكاميرات وتحت الأضواء المبهرة .
وهناك أمران في غاية الخطورة أضرا بالخطاب الثقافي بصفة عامة والديني بصفة خاصة، هما : الجهل والمغالطة ، أما الأول فداء يجب مداواته بالعلم ، وأما الثاني فداء خطير يحتاج إلى تعرية أصحابه ، وكشف ما وراء مغالطتهم من عمالة ، أو متاجرة بالدين.
وأختتم وزير الأوقاف، أنه لاشك أن الحديث في الشأن العام الديني يتطلب بالضرورة إدراك المتحدث لمفهوم المصلحة العامة وتقدّمها على المصلحة الخاصة ، بل تقدُّم المصلحة الأعم نفعًا على الأخص ، وإدراك الموازنة والترجيح بين دفع المفاسد وجلب المصالح ، وأن دفع المفسدة العامة مقدم على جلب المصلحة العامة ، وأنه قد تُحتَمل المفسدة الأخف تحققًا للمصلحة الأهم والأعم ، ونحو ذلك مما لا يدركه سوى أهل الخبرة والاختصاص في كل علم وفن ومؤسسة ممن تتوافر لهم كامل المعلومات المعينة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب.