استأنفت محاضرات "الدورة التدريبية المشتركة لأئمة مصر وفلسطين" المنعقدة بأكاديمية الأوقاف الدولية بمدينة السادس من أكتوبر اليوم الثلاثاء، لليوم الثالث على التوالي، وذلك في إطار خطة وزارة الأوقاف في التدريب والتثقيف المستمر للأئمة المصريين وأئمة الدول الشقيقة، حيث عقدت المحاضرة الأولى لفضيلة الدكتور شوقي علام "مفتي الجمهورية"، بعنوان:" الفتوى في زمن النوازل".
وأكد الدكتور شوقي علام "مفتي الجمهورية" أن الشريعة إنما جاءت لجلب مصالح الخلق ودفع المفاسد عنهم في العاجل والآجل والدنيا والآخرة، فالخطاب في النص القرآني يعم كل المخاطبين أيًّا كانت مواقعهم وأزمانهم، ولا يمكن قصر الخطاب على فئة دون فئة أو على زمان دون زمان إلا بدليل شرعي، فحين نسمع قول الله" تبارك وتعالى" مخاطبًا النبي "صلى الله عليه وسلم": "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" نرى أن العلماء فهموا أن الخطاب فيها يسري لكل ولي أمر يلي أمر المسلمين، فهو قائم مقام رسول الله "صلى الله عليه وسلم" في هذا، فكل خطاب على العموم إلا ما خص في ذاته، فيجب علينا أن نحافظ على خطابنا قائمًا على الفهم الصحيح، لأن النصوص إذا وضعت في غير مواضعها وخرجنا بالخاص من خصوصه إلى العموم لأدى ذلك إلى الإفساد والإساءة إلى الصورة الحسنة التي جاءت بها شريعة الإسلام.
وأكد أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، ومع ذلك جعلت الشريعة للظروف الطارئة دورًا في تغيير الأحكام سواء على مستوى الدولة أو المجتمع أو الأفراد، والأحكام التي قررت لظرف استثنائي تزول بعد تغير ظروفها، لذلك قال العلماء: "الضرورة تقدر بقدرها".
وقالوا: "الضرر يزال"، وقال تعالى "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" وقال تعالى: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ"، فالحفاظ على النفس الإنسانية مقصد هام من مقاصد الشريعة الإسلامية قال تعالى: "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ"، وقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم": إنَّ هذا الدينَ يسر، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبهُ، وقال "صلى الله عليه وسلم" "فإنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، ولَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ"، وكانت عائشة "رضي الله عنها" تقول: "ما خُيِّرَ رَسولُ اللهِ "صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ" بيْنَ أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُما أَيْسَرُ مِنَ الآخَر، إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا، كانَ أَبْعَدَ النَّاسِ منه" وانطلاقا من هذا التوجيه قرر العلماء قاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، موضحًا أن وقائع الحياة متسارعة ومتشابكة ولا متناهية، وأن نصوص الشريعة جاءت لتضع لكل واقعة حكمها لذلك فإن النبي "صلى الله عليه وسلم" علَّم سيدنا معاذ بن جبل "رضي الله عنه" الاجتهاد لاستخراج الأحكام في ما لم يجد فيه نص في الكتاب أو السنة، فقال "صلى الله عليه وسلم" له حين أرسلَه إلى اليمنِ: "بم تحكُمُ ؟ قال: بكتاب اللهِ، قال: فإن لم تجِدْ ؟ قال: بسُنَّةِ رسولِ اللهِ، قال: فإن لم تجِدْ؟ قال: أجتهدُ رأْيي ولا آلو قال: الحمدُ لله الذي وفَّق رسولَ اللهِ، لما يحبُّ رسولُ اللهِ"، ومن هنا فإن العلماء حين تعاملوا مع المخدرات في عصرنا الحاضر والتي يصنع بعضها من مواد كيميائية تشكل خطرًا على الشباب وعلى المجتمع قدموا الحكم بمنعها وتحريمها وتجريمها انطلاقا من نصوص الشريعة الحنيفة ، موضحًا أن الجماعات المتطرفة قدمت أفهامًا منفصلة عن الأدلة الشرعية ، منفصلين بذلك عن نهج علماء الأمة والذين قرروا أن: "المصلحة حيث ما وجدت فثم شرع الله".