نشرت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، تقريرا خلال الأسبوع الماضي، حول الفقر الذى يعانى منه العمال الصينيون، الذين يهاجرون من بعض المدن إلى العاصمة بكين، حيث استحوذت قصة العامل يوى زونجشيان البالغ ٤٤ عاما، على اهتمام وسائل الإعلام بسبب ما وصفته المجلة الأمريكية بـ«المأساة» التى عانى منها العامل الصيني.
واستهلت «فورين بوليسى» تقريرها قائلة "بينما تتعقب السلطات فى بكين تفشيا صغيرا - وربما تم احتواؤه – لمتحور فيروس كورونا المستجد «كوفيد- ١٩» الجديد والمسمى بـ«أوميكرون»، أصبح الجمهور الصينى مفتونا برؤى الحياة فى الفقر التى كشفتها قضية العامل المهاجر يوى زونجشيان، ونالت اهتماما خاصا فى وسائل الإعلام الصينية، حينما ثبتت إصابة يوى بفيروس كورونا عند محاولته العودة إلى مسقط رأسه، ميناء الصيد فى مدينة ويهاي.
وأوضحت المجلة الأمريكية أن قصة العامل المهاجر يوى زونجشيان تميزت بالمأساة ولكنها من نواح كثيرة نموذجية لحياة المهاجرين، وجاء زونجشيان إلى بكين فى أواخر العام الماضى بحثا عن ابنه المفقود منذ أغسطس ٢٠٢٠، وعمل أثناء وجوده فى بكين، فى وظائف متعددة بأجر منخفض للغاية، مثل نقل الأسمنت.
وقال «زونجشيان يوى» لوسائل الإعلام الصينية: «بشكل عام أجر نقل كيس من الأسمنت أو الرمل هو يوان واحد (٠.١٦ دولار) إذا لم تصعد إلى الطابق العلوى، وإذا صعدت إلى الطابق العلوي، فهناك المزيد من الأموال، مثل ٣ يوانات (٠.٤٨ دولار) للطابق الثالث و ٤ يوانات (٠.٦٤ دولار) للطابق الرابع».
وأضافت «فورين بوليسى» أن «يوى» كان لديه بالفعل أكثر من ٢٠ صاحب عمل فى بكين؛ مشيرا إلى أن العمل فى الحفلات أمر غير موثوق به، حيث يأتى معظم عمله فى منتصف الليل، عندما تُرفع القيود المفروضة على حركة المرور ويمكن للشاحنات دخول وسط بكين، وعادة ما ينام أربع أو خمس ساعات فى اليوم فى كوخ يستأجره مقابل ٧٠٠ يوان «١١٠ دولارات» شهريًا على أطراف المدينة، وينفق دخله فى البحث عن ابنه ويرسل الباقى لإعالة والديه المريضين فى مدينة ويهاي، الذين لا يتلقون مزايا الرعاية الاجتماعية.
وقالت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية إن الفقر الذى تم الكشف عنه فى قصة يوى صدم العديد من سكان بكين غير المدركين لحياة العمال المهاجرين المنخرطين فى صناعة البناء فى المدينة، وخدمات التوصيل، وأجزاء أخرى من الحياة اليومية"، وأشارت إلى أن ٢٨٦ مليون عامل مهاجر فى الصين كانوا أكثر القطاعات معاناة خلال تفشى وباء كورونا، وغالبا ما يكونون بعيدين عن منازلهم وغير قادرين على الحصول على الرعاية الاجتماعية بفضل نظام تصاريح الإقامة، الذى يقيد المزايا للمقيمين الرسميين فى المنطقة.
على الرغم من أن القصص عن الفقر فى الصين تنتقل أحيانًا إلى وعى الطبقة الوسطى، إلا أنها نادر ما تبقى هناك، هذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها بالنسبة للصين.
الوعى بالفقر
وأوضحت «فورين بوليسى» أن هناك أسبابا معينة تجعل الوعى بالفقر محدودا فى الصين على الرغم من وجود عدد كبير من السكان الفقراء، وبعيدًا عن الدعاية الرسمية حول تخفيف حدة الفقر التى تركز على المناطق الريفية النائية، تخضع صور الفقر إلى الرقابة، وهناك أيضا بعض الازدراء للفقراء بين الطبقة الوسطى الحضرية، الذين يخشون أن السماح للعمال المهاجرين بأن يصبحوا مقيمين رسميين سوف يطغى على مدارسهم ومستشفياتهم التى تتمتع بجودة واهتمام أكبر يليق بالمدن الكبرى، وحاولت بكين مرارا وتكرارا طرد المهاجرين.
وأضافت المجلة الأمريكية أنه من المرجح أيضا أن تتقاطع حياة الفقراء مع أشكال القمع الأخرى التى يصعب على وسائل الإعلام الصينية تغطيتها، مثل لامبالاة الشرطة والوحشية، ويشكل الفقراء معظم مئات الآلاف من مقدمى الالتماسات الذين يحاولون الوصول إلى بكين كل عام لحمل السلطات المركزية على إصلاح المظالم المحلية، وفى حالة العامل «يوى»، تدعى الشرطة المحلية فى ويهاى أنها تعرفت على جثة ابنه من خلال اختبار الحمض النووى لانتحار محتمل، لكن الأسرة رفضت قبول أنه هو، واختتمت مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية تقريرها قائلة "لدى بعض الشرطة الصينية سجل فى الكذب بشأن تشريح الجثث.
وكانت مؤسسة «بروكنجز» الأمريكية، نشرت تقريرًا قبل حوالى عام، عن مكافحة الحكومة الصينية للفقر فى البلاد، وعلاقته بتفشى وباء كورونا، الذى بدأ فى ولاية ووهان الصينية، حيث أشارت إلى أن البنك الدولى حذر فى عاما ٢٠٢٠ من أنه عندما يزول تزول جائحة كورونا، يمكن اكتشاف ١٥٠ مليون شخص إضافى غارقين فى الفقر، إلا أن الصين خالفت تلك التوقعات، وبعد أشهر قليلة من تحذير البنك الدولي، أعلن الحزب الشيوعى الصينى أنه قضى على الفقر المدقع.