أهم دروس ماسمي بالربيع العربي ان التغيير الآمن يأتي من الداخل بالإصلاح وليس الثورة لأن الثورات ترتبط بلحظات وطموحات مثالية، لكنها ترتبط بتكاليف اقتصادية وبشرية ضخمة، قد تصل هذه التكاليف إلى حد تدمير الدولة.
أما الدرس الثانى هو أن القضية المركزية بالنسبة لمجتمعات المنطقة هى التنمية. وثار جدل عالمى كبير حول العلاقة بين التنمية والديمقراطية؛ أيهما يأتى أولا، وأيهما يمثل الغاية وأيهما الوسيلة، وأيهما يمثل شرطا أو نتيجة. لقد تطورت مدرستان كبيرتان فى هذا المجال. الأولى، ذهبت إلى أنه لا تنمية دون ديمقراطية، فالأخيرة تمثل شرطا ضروريا وكافيا لتحقيق التنمية. استندت هذه المدرسة إلى الخبرة الغربية بالأساس، وظلت هى السائدة، حتى جاءت الخبرات الآسيوية لتقول لنا إنه لا ديمقراطية حقيقية ومستدامة دون تنمية حقيقية مستدامة ومتوازنة، وأن التنمية هى شرط ضرورى للديمقراطية. فقد سقطت معظم دول «الربيع»ومازالت - فى براثن «الدولة الفاشلة» والحروب الأهلية والتدخلات الخارجية وصولا إلى التدخل العسكرى، بينما نجت من هذه الظواهر جميعها دولة مثل مصر.ويمكن تفسير ذلك بالرجوع إلى متغيرات مهمة مثل طبيعة الدولة، وطبيعة مؤسساتها وطبيعة النخبة، ذلك ان الدولة فى مصر هى «دولة وطنية» بالمعنى الدقيق للكلمة، وقد حافظ على استمرار هذه السمة التاريخية عاملان، الأول هو الجيش المصرى الذى مثل، ليس فقط، رمزا للدولة الوطنية القوية وحافظا لها، لكنه مثل أيضا وعاء ومدرسة لصقل هذه الوطنية. وحدها مصر التى تعافت من آثار الربيع العربى، وما ساعد فى خروج مصر سالمة اختيار حسنى مبارك الانسحاب من الحياة السياسية
وفى هذا الاطار لم تدخل الدول العربية الغنية فى حسابات الربيع العربى، فهى فى حقيقتها تضاهى فى استقرارها السياسى الدول الغربية المستقرة، كما أن الدول العربية الغنية لم تكن تعانى شعوبها ميولا سياسية غامضة، وبهذا التصور فإن العديد من الأخطاء السياسية للكثير من الدول العربية هى التى أسهمت فى أن يدفع العالم العربى تلك الأثمان الباهظة من الخسائر السياسية، التى لن يكون من السهل إصلاحها خلال عدة عقود قادمة على أقل تقدير.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت صاحبة السبق فى تسمية تلك الفوضى بالربيع العربى وكانت الصورة السياسية المنتظرة أن تتحول تلك الدول إلى نماذج سياسية فريدة. وكانت هناك نتائج متفاوتة. فالتظاهرات الشعبية الحاشدة فى تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا تبعتها إصلاحات مخيبة للآمال فى أحسن الأحوال، كما أن ثمار الربيع العربى المنتظرة لم تزهر كما توقعت الشعوب. ولكن بدا أن التغيير يمكن أن يحدث من الداخل، وليس فقط كنتيجة لتغير فى الخرائط الجيوسياسية العالمية وهذا ما تكرر فى الانتفاضات الخمس، فى تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن، قبل أن تحذو حذوها ثورات الموجة الثانية فى العراق ولبنان والجزائر والسودان وقد كشف الربيع العربى هشاشة أنظمة معيّنة. لكنه كشف فى الوقت نفسه مدى استعداد الإخوان لاستغلال أيّ فرصة للانقضاض على السلطة والاحتفاظ بها إلى ما لا نهاية، على غرار ما حصل فى قطاع غزّة فى منتصف العام 2007. ولولا الإخوان المسلمون ورهانهم على الربيع العربى، لما كان نظام على عبدالله صالح انتهى. ولولا إصرارهم على التخلّص منه واعتقادهم أنّهم قادرون على وراثته لما وصل الحوثيون إلى صنعاء.
آراء حرة
الإصلاح وليس الثورة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق