السبت 02 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تحريض على "أصحاب ولا أعز"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

انجر الشارع المصري بطوائف مختلفة، ومذيعين وصحفيين وأصحاب رؤية وناس عادية للحملة المسعورة ضد فيلم "أصحاب ولا أعز"، ودخل على خط أطراف من تيار الإسلام السياسي، مستغلين حالة الفراغ في مناقشة موضوعات جادة، لجر الشارع إلى قضية هامشية، لا تستحق كل هذه الضجة، بدلا من مناقشة كل ما هو مسكةت عنه بعقيلة مستنيرة ورؤية من أجل المستقبل.
والغريب أن هناك من دخل على الخط من نحسبهم متنورين، فقد سمعت إحدى المذيعات أمسكت الميكرفون على مدى ساعة في صباح الأربعاء 26 يناير على إحدى الإذعات التابعة للدولة، وهي ممسكة بعصى الرقابة المجتمعية، وكأنها حامية الفضيلة، ونصّبت من نفسها الرقيب المجتمعي، لتهتك عرض الفيلم وممثلية، وأنها رأت في الفيلم أن معالجته لشخصية المثلي فسق وفجور ونشر للرذيلة.
توقعت من هذه المذيعة أن تتجه بالحوار لمناقشة رؤية واضحة عن الفيلم، وأن ما يقدمه عن "المثلي" لا يعني أنه يدعو إلى المثلية، وأن تقديم هذا الشخصية هو تقديم لواقع، يحتاج لمناقشة والدخول في أطر العلاج، والبحث عن الأسباب، وكيفية المعالجة، مع إختلاف محتوى من تركز عليه منصة "نتفليكس"، عما يجب أن نعالجه في محتوانا المصري والعربي.
وتركت المذيعة مثل غيرها القضية الرئيسية واتجهت إلى أن المجتمع في خطر بسبب هذا الجزء من الفيلم، ويجب أن نحمي المجتمع من هذه النوعية من "الإبداع"، التي ترى أنه مكفول ولكن!! لتقطع الطريق عن أي حوار حقيقي حول جوهر الفيلم، وتحولت المذيعة التي انفردت بالميكرفون وأمسكت بأذان المستمعين في حالة تشبه التحريض على الفيلم، مثلها مثل غيرها من العامة، والمتطرفين، وكأي سلفي أو رجعي، أو منحرف ديني، يرى في "أصحاب ولا أعز" هو الفسق والفجور بعينة.
أنا هنا لا أحجر على رأي السيدة المذيعة، فلها ما تريد، ولكن كان الأولى أن تأتي برأي أخر، يختلف معها، وأن تكتفي بفقرة من برنامجها الذي امتد لساعة في صباح بث "الأربعاء"، علاوة على أنها بقولها هذا تخدم التيار الرجعي والفكري المتخلف الذي يناهض الإبداع، ويريد أن يفرض قيمه المتطرفة على المجتمع، لا أن ندير حوارا موضوعيا حول قضية ليس لأول مرة تظهر في الإبداع بكل أنواعه.
وهنا نستعيد ما جرى من نقاش حول فيلم "حمام الملاطيلي" في سبعينيات القرن الماضي، والحوار الذي ناقش هذا الفيلم، في "مجلس الأمة" وقتها "مجلس الشعب"، ومجلس لنواب" حاليا، ومناقشته في ندوات، ومقالات وجلسات لمجلس الوزراء، وانتهي بحوار موضوعي ورؤية أن الفيلم لم يخل بالمجتمع، بل كشف عن حقيقة وقضية مسكوت عنها، بحاجة لعلاج.
نفس الشئ حدث في فيلم "عمارة يعقوبيان"، والذي قدم شخصية المثلي، والذي انتحر، أو قتل في النهاية، لأسباب ربما عدم اتساقة مع المجتمع، ودار نقاش حول نفس القضية، عن هذه النوعية من "الشواذ" المنتشرين أو قل المتواجدين، في المجتمعات، وفي كل دول العالم، وعلى مر العصور من أول تاريخ البشرية.
وكتب التراث والتاريخ والروايات تحكي عن هؤلاء، ولم يتهم أحد هؤلاء المبدعين أنهم بتناولهم مثل هذه النوعية من البشر أنهم يحرضون على الفسق والفجور، والرذيلة، بل هم يتناولون قضايا مسكوت عنها، في محاولة لإجراء حوار فكري وثقافي وعلمي وديني يعالج مثل تلك الأمور، ومعالجة الخلل إن روِّي أنه خلل ويتم الإتفاق على ذلك.
لا أعرف سببا موضوعيا لهذا الهجوم على فيلم مهما كان مصريا أو لبنانيا تم تعريبة، ولمجرد أن فنانة مصرية مشاركة فيه، دون أن يتوجه هؤلاء لبحث محتوى الفليم وتقنياته، والذي تم تصويره ببراعة في مكان يكاد يكون واحد، وعلى "تريزة" لجميع ابطاله، وبأداء فني رائع، من كل أبطاله، وكشف التشابكات في العلاقات، وطرح كل العلاقات الخفية بين الأزواج والزوجات، وقضايا الخيانة.
الكل بمن فيهم السيدة المذيعة اعتبروا أنفسهم هم "حراس الفضيلة" من فيلم ربما تكون شخصياته متواجدة في مجتمعاتنا بأشكل مختلفة، ولكن ليسوا من نفس تلك الطبقات المصرية والعربية التي لها هموم أخرى في البحث عن ما يعشيهم ويكفيهم دون السؤال، والكفاح من أجل تربية الأولاد، إلا أن تعرية بعض سلبيات المجتمع قد تكون مطلوبة في بعض الأمور.
وليس بالضررة أن هؤلاء السبعة في الفيلم 6 أزواج وزوجات، وشخص عازب هم كل المجتمع، بل جزء منه، وهناك قضايا أخرى لفئات أخرى في مجتمعاتنا، تحتاج إلى نقاش،.. 
.. توقفوا يا سادة، عن التحريض ضد الفيلم، والإبداع، فالن ليس من أجل الفن بل الفن للمجتمع، وناقشوا ما هو أهم في المحتوى، ففيلم "أصحاب ولا أعز" هو النسخة الـ19 من فيلم أجنبي "ايطالي" بعنوان، "Perfect strangers" وهو ما يعني "غرباء مثاليون" قدم ما يرى القائمون عليه أن هناك أمور تستحق النقاش في مجتمعاتنا في تشابك مع ما هو في مجتمعات أخرى.
أتمنى أن تكون الرسالة واضحة.