الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وماذا بعد سب منى ذكى ؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

نتفليكس تروج لسلوكيات وثقافة رفضتها مصر رغم الضغوط ولكن التكنولوجيا تخترق الأبواب المغلقة 
أين المنصات الوطنية لتسويق القوى الناعمة المصرية ؟ 
من يطالبون بمنع أو وقف فيلم “أصحاب..ولا أعز" نخبة لا تنتمى لهذا العصر

 

أقر واعترف أننى عاشق للصورة، تستغرقنى تفاصيل المشاهد فى الحياة وعلى شاشة السينما، أهوى التدقيق بين عناصرها وإعادة ترتيبها وقراءتها ربما يصيبنى ذلك بحالة قلق وتوتر وعدم ارتياح، هكذا أجد متعتى فى السينما أشاهد الافلام الأمريكية بخداعها وجرأتها بتزييفها لنا كشعوب وثقافة عربية وللحقائق أحيانا، بإعادة رسم المجتمع الأمريكى وتسويقه للعالم باعتباره النموذج، والديمقراطية باعتبارها الملاذ، والجندي الأمريكى على أنه المنقذ سوبر مان وكابتن أمريكا، ودائما أردد كلما انتهيت من المشاهدة: أمريكا تحكم العالم بالسينما وليس بالسلاح، فكم من الهزائم والخسائر التى منيت بها القوات الامريكية والمارينز فى ميادين القتال، بينما تتحول تلك الهزائم بشكل أو بآخر لانتصارات على الشاشة !! 
منذ ثلاث سنوات وأنا أتابع بشراهة منصة نتفليكس، شاهدت من خلالها مسلسلات وأفلام كثيرة أعمال سياسية تتناول البيت الابيض ونواب الكونجرس والصراعات السياسية والحزبية وكيف يتم التلاعب بالجماهير والسيطرة عليها بالخوف كما حدث فى مسلسل أوراق اللعبة House of cards، ومسلسلات تناقش الجريمة والتحايل على القانون بالعبث بالأدلة الجنائية How to get away with murder، أعمال لا تخل من إثارة وحبكة وسيناريو وصنعة بما يجعلها الاكثر مشاهدة على المنصة العالمية وهناك بالتأكيد أعمال أخرى ينتابك الحذر من المشهد الأول وانت تشاهد حلقاتها مثل [فوضى ] الذى يتحدث عن المجتمع الاسرائيلى وعلاقة الأمن الإسرائيلي بالفلسطيني وعناصر المقاومة وكيف تنشأ علاقة بين ضابط الموساد والطبيبة الفلسطينية، ومسلسل الجاسوس الذى يروج بشكل فج لإسرائيل.
لا تبدو سياسة المنصة العالمية نتفليكس خافية على مشتركيها ولا الثقافات التى تروج لها ولا الأنماط والسلوكيات التى تنحاز لها، وعلى رأسها الترويج للمثليين ودعمهم وضرورة قبولهم، ونكاد لا نجد فيلما او مسلسلا إلا ويتضمن نموذجا من هؤلاء وكأنه أصبح أمرا واقعا وحقيقة يجب على الجميع قبولها والتعامل معها دون تأفف أو ضجيج، وبالتأكيد كثرة الإلحاح هى أقرب الطرق للاعتياد.
إذن الذاهبون لتلك المنصة يعلمون أهدافها ولا يتشابه الأمر عليهم، وأعتقد أنهم فى الأغلب يملكون الوعى ولا يحتاجون وصاية ولا أوصياء، فالعلاقة بينهم وبين المنصة تعاقدية هى تقدم نوعيات مختلفة من الاعمال، وتحدد الفئة العمرية بل وتحذر أن هناك عرى أو مشاهد للتعاطي أو الجنس والعنف والانتحار، وللمشترك حق الاختيار أو العزوف أو الانسحاب من هذا الاتفاق والصيغة التعاقدية، المنصة لا تباغتك ولا تفرض عليك اختيارا بعينه بل انت صاحب القرار.
هذا هو العالم الذى نعيشه، والقادم أصعب على الأجيال وعلى الهوية من تلك المنصات العابرة للحدود والمجتمعات، ما يفرض علينا وعلى مبدعينا وشركات الانتاج ضرورة الانتباه بأننا لن نقف فى وجه هذا الطوفان الا بمحتوى يطرح بشجاعة قضايا مسكوت عنها ويقتحم المناطق الشائكة فى المجتمع ليس بهدف تعرية وفضح وبابتذال، تقديم دراما تنتمى لهذا العصر وتتحدث لهذا الجيل الذى يساهم فى صناعته عالم منفتح وشركاء فرضوا انفسهم بحكم التكنولوجيا والتطور ولا نملك منعهم أو السيطرة على توجهاتهم، ولا نملك لحماية ابنائنا حجرا ولم تعد أساليب الرقابة القديمة هى الحل.
أمام المنصات التى أنشأناها مؤخرا تحد كبير لجذب الشباب، وأمام صناع المحتوى والمبدعين سباق من نوع خاص لإنتاج جاذب وأعمال قادرة على المنافسة، لا يجب أن نتوقف كثيرا لنتشابك بالالفاظ ونتنابز بالالقاب وينعت بعضنا بعضا بما لا يليق فى خلافنا حول فيلم [أصحاب ولا أعز ] يجب أن ننضج فى نقاشنا سواء أعجبنا الفيلم أو رفضناه وأن نتعامل بهدوء ونتفاعل بإيجابية لطرح بدائل أفضل مما تقدمه نتفليكس التى نرفض محتواها وسياساتها، وأقول لمن يرفضون الفيلم لا يجب أن يكون ذلك ذريعة لتنالوا من فنانة شاركت فيه بالشب والقذف والإهانة  ، ولا أريد ممن يدافعون عن الفيلم لأسباب فنية أو إبداعية أن يقاتلوا دفاعا عن سلوكيات مثل الشذوذ والخيانة التى يرفضها المجتمع [ أى مجتمع دون إدعاء فضيلة أو المزايدة بأننا ننتقد لاننا ملائكة ] ويتهمون الفريق الآخر بالرجعية.
المسألة لا تتعلق بفيلم أو عمل إبداعى فقط لكنه يتعلق بمعركة تحولات عالمية كبرى ثقافية وإعلامية يجب أن ندركها جيدا، وضغوطات لتدويل ثقافات لطالما رفضناها وتمارس علينا ضغوطا لقبولها تحت دعاوى الحريات وقبول الآخر، وهنا تكمن أزمة فيلم  [ أصحاب ولا عز ] الذى قدم نهاية مفتوحة دون أن يدفع أحد الفاتورة أو ثمن أخطائه لأن صناع الفيلم لا يرونها أخطاء تستحق العقاب ربما هذا ما يجب أن نتوقف عنده كثيرا.
الفيلم ليس نهاية المطاف ولكنه جرس إنذار لما هو قادم، وأخشى أن نكتفى بالبكاء على الفضيلة انتظارا للتجربة الفنية القادمة دون أن نفعل شيئا ونلوذ بالصراخ الذى لا يغير واقع ولا يسمعه أحد، ونرى نائبا يتقدم باستجواب لمنع فيلم - وهو قرار لا نملكه - وأستاذة بجامعة الأزهر تطالب بوقفه لنهتف بعد هذا الانتصار [ المصريين أهمه ] على حد قولها ' معالجات ليس لها علاقة بالواقع تدعو للغثيان من إدراك النخبة ومستوى تفكيرها.