رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

التجريب في مسرح الثقافة الجماهيرية.. وضرورة شرطية الاستمرار

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يلعب مسرح الثقافة الجماهيرية دورًا فعالًا ومؤثرًا تجاه جماهيره الشعبية الكثيرة، وتواجده الدائم والمستمر بين الناس في جميع الأماكن سواء داخل القرى، والنجوع، والشوارع، والميادين، لذلك ما زال المسرح يبحث عن أشكال وأطر متميزة يستطيع من خلالها تقديم موضوعاته ومناقشة قضاياه المجتمعية، التي تهدف إلى السلاسة والبساطة، والتجريب الذي مر به المسرح عن طريق تجاربه الفنية، فجاء متخذًا لنفسه عدة وسائل وأشكال بحثًا عن الهوية، لقد استطاع مسرح الثقافة الجماهيرية أن يكون له ذائقته الخاصة، محاولًا على مدار الأعوام القليلة الماضية تقديم عدة تجارب مسرحية.

غلاف الكتاب

يستند مسرح الثقافة الجماهيرية إلى عدة وسائل أشار إليها الناقد المسرحي أحمد عبدالرازق أبوالعلا، في كتابه «التجريب في مسرح الثقافة الجماهيرية» الصادر حديثًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي: التجريب في أدوات الإخراج المسرحي، والتقنية الفنية، والتجريب في النص المسرحي ذاته، وكذلك التجريب في الشكل المسرحي، متخذًا من هذه الوسائل عدة أشكال تجريبية في مسرح الثقافة الجماهيرية أهمها: «السامر، الفلاحون، السرادق، الحركي والصوتي، المناقشة، الإبداع المسرحي الجماعي، الكوكتيل المسرحي، الأماكن المفتوحة أو المكشوفة، مسرحة المكان، الشارع»، جميعها تحققت في عدة عروض، ولكنها لم تستمر وتنتج أثارًا، فالتجريب في مسرح الثقافة الجماهيرية له سماته وملامحه الخاصة كانت عبارة عن جهود فردية، وليست همًا جماعيًا، يشغل الجميع بوصفه أداة لترجمة وفلسفة التجريب التي يعتمد عليها هذا المسرح.

تكمن المشكلة الحقيقية للتجريب في مصر، الذي جاء اجتهادًا فرديًا، ربما محاولات بدأت وتنتهي بسرعة، بحيث أن التجربة لا تستطيع أن تستمر لأكثر من مرتين، على عكس استمرارية التجارب المسرحية الأوروبية لسنوات عدة، وهذا يرجع إلى توافر الآليات التي تكشف عن وجود احتياجات حقيقية وفلسلفة تجعل التجريب المسرحي ضرورة، التي بدورها تقوم على مبدأ الاستمرارية، لذلك فالتجريب في مصر موسمي يقتصر على فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي السنوي حتى ينتهي بعدها، ولا نتذكره إلا بعد عام، ولا يجد من يحتضن الفكرة لتجعل من التجريب ضرورة وتخرجه من هذا الاطار الموسمي.

يوضح «أبوالعلا»، أن المخرج الراحل صالح سعد تبنى ووضع نظرية شكل «السرادق» وقدم من خلاله مجموعة من العروض منها: «يحدث في قريتنا الآن، جمهورية زفتي، كنوز قارون، مشهد من الشارع، كاني وماني، ياما في الجراب»، وقد انحاز لكل ما هو شعبي ويمكن توظيفه في المسرح لدعم فكرة الخصوصية، وتفرد اللغة التعبيرية وعدم الذوبان في الأشكال التي لا علاقة لها بتراثنا، فبدأت هذه التجربة بخمس ورقات تقدم بها في العام 1983 للدكتور سمير سرحان رئيس الثقافة الجماهيرية في ذلك الوقت واقترح شكل «السرادق» طالبًا فرصة التجريب حول هذا الشكل، فأعتمد في تجربته على ثلاثة اتجاهات هي: المكان المسرحي، والممثل وعلاقته بالجمهور، وطبيعة النص، فيري «أبوالعلا» أن هذه التجربة مختلفة عن كل التجارب الأخرى وذلك لإصرارها على الاستمرار، وأن تخلق لنفسها قوانينها.

وثائق

يشير «أبوالعلا» إلى مسرح «الفلاحين» الذى أنشأه المخرج سرور نور على الساحة المسرحية قبل ظهور تجارب الآخرين، إيمانًا منه بفكرته واستمرارها، التي بدورها تهدف لمخاطبة فئة لا تعرف عن المسرح شيئا، ومن هنا تتجلي أهمية ذلك المسرح حين يكون قادرًا على تحقيق عنصري الفرجة والمتعة، تحمل رسالة أساسها تربوي وتثقيفي وترفيهي في ذلك الوقت، فعلى الرغم من أهمية التجربة إلا أن محاولات الذين تحمسوا لها لم تستمر، ولم تثمر إلا عروضا قليلة منها: «فجر الإسلام، تاجر البندقية، آه يا بلد، تحت القبة، أم كلثوم الأسطورة، شفيقة ومتولي، السبنسة، وغيرها».

أما مسرحة «المكان»، فهي تجربة لا تقل أهمية عن سابقتها، فيذكر «أبوالعلا»، أن هناك محاولات مع التجارب السابقة لكنها قليلة للغاية، منها: تجربة المخرج البورسعيدي سامح فتحي، التي قدمها مع الكاتب أحمد أبوخنيجر في منطقة الشلاتين في 2011، وتعد أحدث تجربة قدمتها الثقافة الجماهيرية تحت عنوان «نشل البير»، فالتجربة الحقيقية في هذا الاطار تلك النصوص التي كتبها هشام السلاموني وأخرجها حسن الوزير في أماكنها الفعلية منها: «الساعة صفر، عفوا ممنوع التصوير، أغنية على السلك، وغيرها».

عروض مسرح الشارع

وفي مسرح «الشارع» فإن معظم العروض الفنية التي تعتمد على الظواهر المسرحية المشار إليها كانت تقدم في الشوارع والطرقات، وبالقياس والتطبيق نستطيع أن نقول إن مسرحية الشارع هي مسرحية بعينها، وجمهور الشارع هو الآخر بعينه نظرا لأن طبيعة كل منهما تختلف عن التقليدي والطبيعي، ومن بين عروض الملتقى الأول لمسرح شارع الثورة في الفترة من 9 حتى 12 مارس 2012، «عودة الفلاح الفصيح، والنبي مهما تعملوا، احنا في امبارح، رايحين على فين، وغيرها».

ويذكر «أبوالعلا»، أن الإبداع الجماعي كصيغة من صيغ التجريب في المسرح المصري، فكانت هناك محاولات لتلك التجربة للمخرج أحمد إسماعيل نتج عنها عرض «سهرة ريفية» بجزئيه الأول في 1982، والثاني 1983 لفرقة شبرا باخوم المسرحية، ثم توقفت هذه التجربة حتى أحياها بهائي الميرغني وتبناها وقدم خلالها عرض «الفأس والشمروخ» بأشمون، مؤكدًا فكرة الإبداع الجماعي تعد وسيلة من وسائل مواجهة ندرة النص المسرحي، الذي يعالج موضوعا بمكان ما أو بقضية تطرح نفسها على الساحة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو إنسانية، موضحا أن قراءة الحركة المسرحية تكشف البعد التجريبي الممتد بلا ضجيج وادعاء، فعلينا دعم هذا الاتجاه حتى لا يتعارض مع ثقافتنا وهويتنا دون مغالاة أو تزييف.