في ديوان "الحفر بيد واحدة" الذي تصدر طبعته الثالثة عن دار الأدهم للنشر، يستدعي الشاعر سامح محجوب مساحات ثرية من وحي الخيال ليصنع صورًا تمتاز بامتزاجها الصافي مع الإيقاع الذي يستخدمه لتحفيز الرؤية، وكأن وظيفة الإيقاع هنا ليست سمعية بقدر ما هي وظيفة ذهنية تتعلق بصفات حيوية يمنحها الشاعر لأبطال قصائده، والبطل الأول هو الشاعر الكبير الراحل محمود درويش في قصيدة "على إيقاع ضحكته يمشي"، ثم تتوالى القصائد المشحونة بالخيال، والصور المتولّدة إنما بشكل تلقائي من وقع الإيقاع الموسيقى.
يخرج الشاعر من لغة المجاز إلى تعابير الواقع في جمل، وتعبيرات قوية تحمل طابعًا ثوريًّا وتحريضيًّا للإنسان تجاه نفسه، وتجاه العالم من حوله "عن نفسك قاتل/ عن نايِكَ قاتل/ عن ظلك فوق الأرض/ عن شجرة توت/ في حقل أبيك"
ويتناص الشاعر مع التراث الديني في أكثر من موضع فهو مثلا يستخدم "سورة الإنسان" عنوان قصيدة وفيها: "لعاملة على نول/ تروض لقمة العيش الضنين/ لعمال المحلة/ للمصانع للمواويل الموقعة الأنين" وكأنه يهدي الكتابة لكل من يشعر أنه يستحقها عن جدارة من العاملين الطيبين والعابرين وحتى لـ" ثومة " و" محمود على البنا".
يتفجر الديوان بطاقة كبيرة ترتبط بالشارع والحياة اليومية، وتعتبر أوراد المنبطحين وهي ست قصائد في نهاية الديوان تناصًا آخرًا مع التراث الديني وإسقاطًا فنيًا- مثيرًا للتأمل -على الواقع بكل ما يحمله من نماذج بشرية تمور بالتناقضات، وكأنه يقلب في الطبقات البشرية، ويصنفها وِفقا لمزاجها العام، ويقدّم وصفا على لسانها لما تعايشه، وتكابده، أو تستمرؤه من أمور الحياة عموما، وكأن كل فئة تقرأ وِردها الخاص بها كل ليلة قبل النوم، فهذا وِرد العامة وذاك ورد النخبة، وذاكم ورد المنتفعين، ثم ورد المهمّشين، فالمنسحقين، فالمنسحبين
كأن الشاعر قرر أن يختم ديوانه وفق أمثولات جديدة يقدمها للقارئ ليعيد اكتشاف العالم بعين الشاعر.
صدر للشاعر سامح محجوب خمسة دواوين هي:
"لا شيء يساوي حزن النهر" ، "الحفر بيد واحدة" و "مجاز الماء" و "امرأةٌ مفخخة بالياسمين.. ينتظرها عاشق أعزل" و "يفسر للريح أسفارها".