تحل اليوم الأربعاء، ذكرى وفاة الكاتب والروائي والصحفي احسان عبدالقدوس، أحد أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب البعيد عن العذرية، وتحولت أغلب قصصه إلى أفلام سينمائية، يمثل أدب إحسان عبد القدوس نقلة نوعية متميزة في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية، وترجمت معظم رواياته إلى لغات أجنبية متعددة.
وُلد عبد القدوس في 1 يناير 1919 في القاهرة، لعائلة من الأثرياء ذات الأصول الشركسية، جده لوالده الشيخ أحمد رضوان من علماء الأزهر ورئيس كتاب بالمحاكم الشرعية، ووالدته الفنانة والصحفية روز اليوسف صاحبة مجلة روز اليوسف، ووالده هو الممثل محمد عبدالقدوس.
تطلق والداه قبل مولده بشهرين، ورضيت أمه أن يتربى في بيت جده المتدين والمتمسك بالعادات والتقاليد القديمة في العباسية، وعاد ليعيش معها بشقتها بشارع عماد الدين في سن الثامنة عشرة من عمره، فأثر الاختلاف بين حياته مع جده وبين الحياة المدنية الحديثة والانفتاح الثقافي ببيت والدته، حيث عقدت والدته صالونها الثقافي واجتمع فيه كبار الكتاب والمفكرون، ما أثر في شخصيته ووسع مداركه الثقافية.
درس عبد القدوس في مدرسة خليل آغا بالقاهرة، ثم في مدرسة فؤاد الأول بالقاهرة 1932م-1937م، ثم التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة.
وتخرج من كلية الحقوق عام 1942م، وفشل في أن يكون محامياً، فتحدث عبدالقدوس عن فشله هذا فيقول: "كنت محامياً فاشلاً لا أجيد المناقشة والحوار وكنت أداري فشلي في المحكمة إما بالصراخ والمشاجرة مع القضاة، وإما بالمزاح والنكت وهو أمر أفقدني تعاطف القضاة، بحيث ودعت أحلامي في أن أكون محامياً لامعاً".
تولى عبد القدوس رئاسة تحرير مجلة روز اليوسف، في عمر 26عاماً، ولكن لم يمكث طويلاً بها ليقدم استقالته بعد ذلك، ويتولى رئاسة تحرير جريدة اخبار اليوم عام (1966 :1968)، ومن ثم عُين بمنصب رئيس مجلس الإدارة إلى جانب رئيس التحرير.
كان لعبد القدوس مقالات سياسية تعرض للسجن والإعتقالات بسببها، ومن اهمهم قضية الأسلحة الفاسدة التي نبهت الرأي العام إلى خطورة الوضع، كما تعرض لمحاولات اغتيال عدة مرات، كما سُجن بعد الثورة مرتين في السجن الحربي، وذلك بسبب مقالة نشرها بمجلة روز اليوسف بعنوان "الجمعية السرية التي تحكم مصر"، هاجم فيها مجلس قيادة الثورة.
كتب عبد القدوس أكثر من ستمائة رواية وقصة، قدمت السينما المصرية عدداً كبيراً منها حيث تحولت 49 رواية إلى أفلام، و5 روايات إلى نصوص مسرحية، و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، و10 روايات أخرى تحولت إلى مسلسلات تليفزيونية، إضافة إلى أن 65 من رواياته ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأوكرانية والصينية.
وكانت معظم رواياته تصور فساد المجتمع المصري وانغماسه في الرذيلة وحب الجنس والشهوات والبعد عن الأخلاق، ومن هذه الروايات (النظارة السوداء) و(بائع الحب) و(صانع الحب) والتي أنتجت قبيل ثورة 23 يوليو 1952.
تحدث عبد القدوس عن نفسه ككاتب عن الجنس فيقول: "لست الكاتب المصري الوحيد الذي كتب عن الجنس فهناك المازني في قصة "ثلاثة رجال وامرأة" وتوفيق الحكيم في قصة "الرباط المقدس" وكلاهما كتب عن الجنس أوضح مما كتبت ولكن ثورة الناس عليهما جعلتهما يتراجعان، ولكنني لم أضعف مثلهما عندما هوجمت فقد تحملت سخط الناس عليّ لإيماني بمسؤوليتي ككاتب!! ونجيب محفوظ أيضاً يعالج الجنس بصراحة عني ولكن معظم مواضيع قصصه تدور في مجتمع غير قارئ أي المجتمع الشعبي القديم أو الحديث الذي لا يقرأ أو لا يكتب أو هي مواضيع تاريخية.
كما أن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر قد اعترض على روايته البنات والصيف، والتي وصف فيها حالات الجنس بين الرجال والنساء في فترة إجازات الصيف، ولكنه لم يهتم لذلك بل وأرسل رسالة إلى جمال عبد الناصر، يبين له فيها أن قصصه هذه من وحي الواقع بل أن الواقع أقبح من ذلك، وهو يكتب هذه القصص أملاً في إيجاد حلول لها.
كان لعبد القدوس دوراً بارزاً في صناعة السينما ليس فقط عن طريق الأفلام التي أُعدت عن قصصه ورواياته، ولكنه شارك في كتابة السيناريو والحوار للكثير منها، فقد كان على النقيض من الأديب نجيب محفوظ، فهو لم يكن يؤمن بأن صاحب العمل الأدبي الأصلي لا علاقة له بالفيلم أو المسرحية التي تعد من عمله الأدبي، فقد شارك في صياغه وكتابة حوار العديد من الأفلام مثل فيلم (لا تطفئ الشمس) للمخرج صلاح أبو سيف الذي كتب نص الحوار فيه، كما كتب الحوار أيضاً لفيلم (إمبراطورية ميم) الذي كانت قصته مكتوبة على أربعة أوراق فقط والذي أخرجه حسين كمال، كما شارك كذلك الكاتبين سعد الدين وهبة، ويوسف فرنسيس في كتابة سيناريو فيلم (أبي فوق الشجرة).
كما أخرج لعبد القدوس عدد محدود من المخرجين وصل إلى 16 مخرجاً، وقد كان نصيب الأسد منها للمخرجين حسين كمال وصلاح أبو سيف وحسام الدين مصطفى وأحمد يحيى، وهذا يدل على أنه لم يكن يتعامل مع أي مخرج يعرض عليه إخراج أعماله، بل يتعامل فقط مع من يثق في قدراتهم في استيعاب أعماله بصورة جدية وجيدة، وقد قام المخرج حسين كمال بإخراج 9 أفلام من روايات إحسان عبد القدوس أولها فيلم (أبي فوق الشجرة) الذي اعتبر في وقته نقله جديدة في السينما الاستعراضية، ومن ثم اتبعهم بفيلم (أنف وثلاث عيون)، وتلاها بتقديم فيلم (إمبراطورية ميم) الذي كان نقلة نوعيه جديدة في السينما المصرية، وقد شهد فيه عودة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وليخرج بعدها فيلم (دمي ودموعي وابتسامتي)، وكذلك فيلم (بعيدا عن الأرض)، ومن ثم فيلمين (العذراء والشعر الأبيض) و (أرجوك أعطني هذا الدواء)، وآخر ما قدم المخرج حسين كمال من أعمال إحسان عبد القدوس كان فيلم (أيام في الحلال).
بالرغم من كمية الأفلام التي أُنتجت من روايات احسان عبدالقدوس، إلا أن جزء منها نجح نجاحاً باهراً في السينما المصرية مثل أفلام (لا أنام) و (في بيتنا رجل)، و(كرامة زوجتي)، وغيرها من الأفلام التي أثرت السينما المصرية، ولكن كذلك هنالك بعض الأفلام التي كتبها لم تنجح كما كان متوقع لها بل وصفها بعض النقاد بأنها فشلت فشل ذريعاً.
كان عبد القدوس يكتب للناس ولا يضع عينيه على النقاد، ولكن مثلما كانت له معارك سياسية في قصصه ورواياته التي كتبها كانت له أيضا منازلات فنية مع السينما والرقابة.
منحه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى كما منحه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وسام الجمهورية وكان قد حاز على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1989 وكانت الجائزة الأولى عن روايته: "دمي ودموعي وابتساماتي" في عام 1973 وجائزة أحسن قصة فيلم عن روايته "الرصاصة لا تزال في جيبي".
غيب الموت إحسان عبد القدوس 12 يناير عام 1990، عن عمر يناهز الـ 71 عاماً، واقيمت صلاة الجنازة على جثمانه بمسجد الزمالك بعد صلاة الجمعة، ثم أُعيد الجثمان مرة أخرى إلى منزله، حيث شُيع إلى المقابر من منزله كوصيته، حيث أوصى بعدم تشييع الجنازة من مسجد عمر مكرم كالمعتاد مع الشخصيات البارزة وأوضح السبب عند سؤاله، قائلا: "لقد عشت حياتى في منزلى ومن الأولى تشييع جثمانى من المكان الذي عشت فيه"، ودُفن بالقاهرة.