الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداعات| "ليلة باردة" قصة لنهى جلال

نهى جلال
نهى جلال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اقترب الشتاء، واقترب معه الحنين لأنفاسك الدافئة وعيناك اللامعة، ونظراتك التي تبث في قلبي طمأنينة غامرة..
أتتذكر تلك الليلة الباردة التي استقبلنا بها الشتاء سوياً في موضعنا الآمن البعيد عن عيون العالم؟ ذلك المكان العالي، القريب جدًا من السماء، والخالي تماما من ضوضاء وثرثرة البشر ونظراتهم الفضولية؟
أتذكر تلك الليلة جيدًا.. مرّ عليها عام وسبعة أشهر وتسع ليالٍ وبضع ساعات. لن أفصح عن تفاصيلها حفاظاً على ذلك العهد الذي قطعته لنفسي. العهد بدوره لن أفصح عنه. ناهيك عن تلك الكلمات الغير مرتبة، التلقائية.
لكن، دعني أفصح لك عن سبب تواجدي هُنا الليلة.
تراني الآن على بُعد خطوات قليلة منك، ولكنها في الواقع آلاف الأميال. كلٌ منا يقف على الاتجاه الآخر. أقف ثابتة، وأشعل سيجارة أسحب انفاسها ببطء؛ بينما تقف أمامي مُنهمكًا في بناء ذلك الجدار أمام قلبي مباشرة. لا يسمعك ولا يراك.. 
يا إلهي! 
الجدار يعلو سريعاً ليذهب بصوتك أيضاً، وكأنك أقسمت الليلة على الذوبان والتلاشي تدريجياً.. وصدقت أخيراً.
أنا هنا الليلة كي أذكرك يا عزيزي أنك لم تعرف للصدق طريقًا من قبل، لم يلمس قلبك المهترئ من كثرة النزوات والحماقات والفراغ الممتلئ بالغرور والعُهر شيئًا من الحنان أو الإنسانية. لم ألمح في نظراتك سوى الأنانية، والفضول، والغيرة، والريبة، والكذب، والخداع. وفي بعض الأحيان قسوة غير مبررة. لذلك لم تقوى على النظر في عيني مباشرة.
أتذكر أنت هذا؟ 
أنت لم تقو طيلة ذلك الوقت المستقطع من سنوات عمري أن تنظر لعيني مباشرةً. أعلم بأن خيالك المريض هيأ لك أنني لم ألتفت لتلك التفصيلة الصغيرة. ولكنني سيدة التفاصيل بجميع أحجامها ومواضيعها. ربما لذلك أهلكتني تفاصيلك اللعينة.
الآن أراك تضع آخر أحجار ذلك الجدار، بينما أشعل سيجارة جديدة، وأبتسم، وأرتب شعري بهدوء في استعداد لموعدنا القادم.
سأزورك برفقة الـ "كارما". سأجلس بينكما في هدوء، أتابع المشهد، وأدخّن مجدداً.. 

ولا زالت ابتسم كعادتي.