صراع بلغ ذروته وجماعة غير مجتمعة، وتنظيم فقد هويته بعد أن ضربت أوصال الجماعة أعنف أزمة تنظيمية، فى تاريخها منذ تأسيسها 1928 فالجماعة اليوم جماعتان، ورغم أنها نتيجة متوقعة بعد صراع مستميت على منابع التمويل، وعلى مصادر النفوذ، والعلاقات الدولية، بين قيادات الأخوان، حيث تهيمن مجموعة أسطنبول بقيادة محمود حسين على القدر الأكبر من استثمارات الجماعة بينما يسيطر منير ومجموعة لندن على علاقات الجماعة ويتحكم بنفوذها فى حكومات أوروبية وغربية.
ويقول عمرو فاروق، الخبير فى شئون الجماعات المتطرفة، إن أطماع وصراعات قيادات التنظيم انتهت بانقسام تاريخي، هز الجماعة، والتى أعلنت للمرة الأولى بتاريخها عزل مرشدها، أو من ينوب عنه من منصبه، فى شرخ عميق ضرب الكتلة المعروفة باسم الكتلة الحديدية للجماعة.
وأشار إلى أن هذا الانقسام رغم أهميته، وخطورته ليس الأول فى تاريخ التنظيم فبداية من عام 1940 فى السنوات الأولى من عمر التنظيم، ظهرت حركة شباب محمد، أثر انشقاق مجموعة عن الأخوان؛ لأعتراضهم على تلقى حسن البنا تبرعات من شركة قناة السويس التى كانت تحت هيمنت بريطانيا.
وسنة 1947 تم عزل أحمد السكرى، رفيق درب البنا، وأحد مؤسسى الجماعة، وذلك كان وكيلها فى ذلك الوقت لرفضه لتواصل البنا مع جهات أجنبية.
وتابع: الأمر ذاته حصل مع عبدالرحمن السندي، مسئول التنظيم الخاص بعد وفاة البنا، أعلن حسن الهضيبى المرشد التانى للجماعة حل التنظيم، ليحاصر أنصار السندي، بيت المرشد، ويشتبك أنصار الطرفين وينتهى الأمر بفصل السندي.
وأشار إلى أن الأمر ذاته حدث فى السودان حيث شهدت الجماعة انقسامات عديدة وصراعات، برزت فيها عدة أسماء حسن الترابي، والحبر يوسف نور.
وأيضا لم يكن إخوان سوريا بمعزل عن الصراعات، والانقسامات فقد عاشوا خلافا ظل سنوات، إثر انقسام ضرب تنظيمهم بعد تنصيب عصام العطار، مراقبا عاما للجماعة.
وأوضح «فاروق «أن جبهة تركيا لم تكن بمعزل عن ذلك حيث شهدت انشقاق انقسام التلميذ أردوغان، على أستاذه نجم الدين أربكان، وقبله داعمه الأول فتح الله جولن،لذى انقلب إلى عدوه بعد ذلك.
وأتم حديثه: ليس خافيا الانقسام والانشقاق الذى ضرب صفوف الجماعة فى الجزائر، الذى جعل إخوان الجزائر حركتين متخاصمتين. وأيضا مبادرة زمزم والتى أدت إلى تقسيم الجماعة فى الأردن. لذا يمكن القول إن تنظيم الأخوان يلفظ أنفاسه الأخيرة.
يرى المراقبون أن الصراع الذى يعيشه الإخوان الآن يبدو «نهاية حتمية» للتنظيم، بعد تعاقب الأزمات عليه لاسيما بعد خسائرهم فى عدد من الدول العربية، وما تلاه من تطورات كشفت النقاب عن العنف، والعمل المسلح الذى ظلت الجماعة تنكره وتبرره لعدة سنوات، وما ترتب على ذلك من كشفهم أمام الشعوب العربية، وكانت النتيجة حالة الرفض الشعبى لهم. وعدم قدرتهم هذه المرة على استثمارحالة المظلومية، وكسب التعاطف.
صراع مستمر
ويقول هشام النجار، الباحث فى الإسلام السياسي: الأزمة الراهنة التى يعيشها الإخوان، والتى امتدت عبر سنوات هذه المرة متسارعة وغير مسبوقة وفى رأيى هذه المرة، ستجبر تنظيم الأخوان على تغيير ايدولوجيته، بشكل كامل، والتنصل من أفكاره وقياداته أيضا ومساحات نفوذه على الأرض؛ للحفاظ على ماتبقى من هياكله.
وفى تصريح خاص أكد «النجار» أن الصراع على أشده ولن ينتهى فى وقت قريب خاصة فى ظل تمسك كل طرف بموقفه وفشل كافة المبادرات الداخلية لحل الأزمة والوصول إلى حل مرضى للجميع.
وأوضح «النجار»أن الأمور تسير لصالح إبراهيم منير، والذى ظهر جليا مع فشل محمود حسين فى كسب تأييد رابطة المصريين بالخارج، لصالح جبهته، ورفض عدد من الدول لدعوة محمود حسين لانتخاب مكتب رابطة الإخوان بالخارج.
وكشف عن مدى سيطرة إبراهيم منير، ومجموعته على التنظيم، منذ مدة طويلة فهو يحظى بدعم قيادات التنظيم الدولى لاسيما بعد القبض على المرشد العام محمود عزت فى مصر عام 2020،أصبح هو من يتحكم فى كافة مفاصل التنظيم.
وتابع «النجار» منير له نفوذ وصلات قوية بعناصر التنظيم الدولى بحكم تاريخ عمله فى الجماعة مشيرا إلى أن «منير» له صلات قوية بعناصر التنظيم الدولى بحكم عمله الطويل فى الجماعة، حيث كان بمثابة سكرتير للتنظيم وبعد ذلك انفرد بصناعة القرار بعد تنصيب نفسه مرشدا على التنظيم فى أعقاب القبض على المرشد، وبدأ فى معركة طاحنة لتصفية الخصوم المعارضين له.
وأضاف «النجار» أن هذه الأزمة قد تأول إلى نسف الهيكل القديم، وقد تجبر تنظيم الإخوان على تغيير إيديولوجيته بشكل كامل، والتنصل من أفكاره القديمة، وكذلك قياداته ومساحات سيطرته الجغرافية داخل المنطقة العربية، للحفاظ على ما تبقى من هياكله.
واستكمل الحديث قائلا: أهم أزمة التى تواجه المرشد الحالى هى عدم تمتعه بقبول لدى القواعد التنظيمية خاصة فى ظل حالة التفكك التنظيمى غير المسبوقة، والارتباك الفكري، الذى تعيشه الجماعة، بعد تصريحاته الصادمة والتى تقاطعت مع ثوابت التنظيم، وأبرزها قبول فكرة الحريات الجنسية التى صرح بها منير كنوع من مغازلة الغرب، لكنها تصادمت مع ثوابت الجماعة.
وحول مستقبل التنظيم فى ظل التناحر الحالى يرى «النجار» أن الصراع بين قيادات الإخوان فى الوقت الحالي، وبالتزامن مع الأزمات الكبرى التى تطوق الجماعة عقب سقوط آخر أذرعها فى تونس، وتضييق الخناق على نشاطها فى عدة دول عربية وأوروبية، ينذر بتفتت التنظيم نهائيا وتلاشى ما تبقى من هيكله التنظيمي. وتصدع جدران الجماعة.