* فى محاولة لفهم وتدبر قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}.
الآية رقم 4 فى سورة البلد.
* قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}.
* وقبل أن نتدبر الآية علينا أن نصنفها أولا لنعرف نوعها وطبيعتها، فآيات كتاب ربى نوعان؛ آيات النبوة وآيات الرسالة، آيات بينات وأخرى آيات محكمات.
* قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ..} آل عمران (7).
* وقال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} [١٦ الحج].
* وعلينا دائما قبل تدبر أي آية وهل هى من الدين من (الآيات المحكمات) أم من آيات أمارة ألوهية الرسالة (الآيات البينات).
* فطبيعة الآيات المحكمات تختلف تماما عن طبيعة الآيات البينات، الأولى المحكمات، أحكام دينية محرمات ومجتنبات ونواهى وشعائر (صلاة وصيام وحج وزكاة) وفروض وربا ومواريث ووصية وزواج وطلاق واستدانة وجهاد وقتال وأقساط فى اليتامى وبر للوالدين وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، أما الثانية الآيات البينات فأسرار كونية لكيفية الخلق وتاريخية (أركيولوجيا).
* والآية التى نحن بصددها هى آية طبعا من (الآيات البينات) وليست من (الآيات المحكمات) وعلينا أن ندرك طبيعة الآيات البينات فهى ليست آيات دين أو شعائر أو تشريعات أو محرمات أو مجتنبات أو أوامر دينية أو... لكنها آيات عبارة عن أسرار خلق الكون وأسرار خلق الإنسان أى أن موضوعاتها دائما تتعلق بأسرار الخلق عموما الكون، والإنسان بالإضافة إلى الآثار التاريخية لحياة الإنسان على الأرض ومحطات التطور التاريخى الأساسية التى مرت بها البشرية مما قبل آدم إلى محمد مرورا بآدم أي الآنسنة، ثم محطة نوح ثم محطة هود وعاد وثمود ثم محطة شعيب ثم محطة إبراهيم وقوم لوط ثم المحطات وصولا الى محطة موسى ثم المحطات التاليه لموسى وصولا الى محطة عيسى ثم محطة خاتم المرسلين
* ونحن مع الآيات البينات ننصح بإستخدام جميع جذور الالفاظ المختلفة وتقليبها وتجريب كل منها مع السياق حتى يقبل أو نستخدم اداة الاشتقاق اللفظى كى نصل الى المعنى الذى يقبله العقل ويستقيم مع المنطق، فنشتق من اللفظ لفظا آخر، اذا هناك طريقان مع الايات البينات عموما، جذور اللفظ او معانيه الغير مألوفة ٱو الاشتقاق اللفظى
* فلايجوز مثلا ان يقول تعالى و(الفجر ) فى سورة الفجر الآية (1) ان نقول ان ربى يقسم بصلاة الفجر، او بركعتى الفجر لان الآيه ليست من الدين او الشريعة وليست من الايات المحكمات ولكنها من امارة ألوهية الدين من الآيات البينات، ومع الآيات البينات لابد من استخدام الجذور وتقليبها حتى يقبل المعنى أو نذهب الى الاشتقاق اللفظى حصرا
* فالفجر من الانفجار وهو مشتق منه اى مأخوذ منه والاشتقاق هو خروج لفظ من لفظ وهنا نفهم ان الله يتحدث عن كيفية خلق الكون واسرار ذلك الخلق، ولا يتحدث فى الدين أو الشريعة نهائيا وهنا قد يفيدنا الاشتقاق اللفظى لفك طلاسم الاية وفهم دلالات ٱلفاظها
* لكن فى حالة فى كبد لن يفيدنا الاشتقاق من اللفظ كبد، ولكن علينا ان نذهب الى جذوره فى مصنفات اللغة، ونذهب الى معانيه الشاذة والنادرة بعيدا عن المعنى الظاهر للفظ، ولا نتعجل فأنخذ بالمعنى المشهور لدى الناس او فى عربيتهم
* فعندما نتعجل ونترجم الكبد بأنها المشقه ويقول تعالى عن الإنسان انه خلق فى (كبد) ونفسر كبد على انها (المشقه) فلن يستقيم المعنى ابدا فهناك اناس مرفهين للغايه لايعرفون عن المشقة شئ وعليه ان نبحث عن جذور كبد ومعانى اخرى للفظ أو نذهب الى مشتقاته كما أن الاية التالية فى السياق العام ترفض ذلك وهى مرتبطة بالاية 4 وليست منفصلة عنها
* فكيف سيقصد الله انه خلق الانسان فى مشقة وتعب ثم يقول ربى فى مباشرة وارتباط بين الاية 4 والاية 5 وفى استنكار عائد على الاية 4 👈ايحسب ان لن يقدر عليه احد؟!، لن يستقيم المعنى ابدا، السياق العام سيرفض لان المعنى العام سيكون (خلقت الإنسان فى مشقة فحسب ان لن يقدر عليه احد!! ) وهذا تفسير لايقبله العقل ويرفضه المنطق وغير متسق المعنى
* ولكن إذا قرأنا الآية التي تلي اية خلق الانسان فى كبد مع الاية التى تليها {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} (البلد 5) فقد نسير فى اتجاه المعنى المقصود وفى (أحد المعاني في لسان العرب لكبد ) يقول الفراء ان خلق فى كبد اى 👈خلق منتصبا فالإنسان هو المخلوق المنتصب، وقال المنذرى سمعت ابا طالب يقول( ان الكبد هو الاستواء والاستقامة)
* وربما يمكننا الان فهم المعنى العام، ان الله تعالى يقول أننا خلقنا الانسان قائما منتصبًا وهنا قد يكون المقصود ان الانسان خلق منتصبا قائما على الامور فى الحياة الدنيا فدب فيه الغرور فحسب أن لن يقدر عليه أحد،
* وعلينا ونحن نتدبر فى الاية 4 ان نضع فى اعتبارنا ماجاء فى الاية 5 لانه عائد على الاية 4 ومرتبط به اى ان نضع فى حساباتنا سياق الاية التى تليها كي يستقيم المعنى العام ويقبله العقل والمنطق ويصبح المعنى له معنى مقبول ومتسق ومفهوم
* وعموما مع الآيات البينات لابد من استخدام اداة الاشتقاق اللفظى فالفجر من الانفجار مثلا، فإن فشلت، فعليك ان تستخدم جذور اللفظ جميعا وتقلبها مع السياق حتى يقبل ويستقيم المعنى، فإن فشلت، فعليك بمعانى اللفظ الشاذة وغير المستخدمة حاليا فى عربيه الناس، وعليك ان تجربها مع السياق حتى يقبل، فنساء معناها المألوف( جمع امرأة) ولكن معناها غير المألوف الشاذ (جمع نسئ)، وكبد معناها المألوف (المشقة) ومعناها غير المألوف( الانتصاب) والاستقامة والاعتدال