لا يخفى على أحد عمق العلاقات الاستراتيجية القائمة بين مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة وتجذرها، حيث تعد نموذجًا للعلاقات الأخوية التي يجمعها المصير والمستقبل واحد.
وتتوافق العلاقات المصرية الإماراتية الى درجة التطابق شبه الكامل في وجهة نظر الدولتين تجاه القضايا الإقليمية والدولية؛ حيث تتفق القاهرة وأبوظبي على ضرورة احترام القانون الدولي، ومكافحة الفكر المتطرف والتنظيمات الإرهابية، وإرساء قيم التعايش المشترك وقبول الآخر، وحل الخلافات بين الدول بالطرق السياسية والسلمية وطاولة الحوار، وليس بالبندقية والرصاص، وهو ما أثمر أن تحول محور «القاهرة ـأبوظبي» إلى رافعة سياسية لدعم الأمن والاستقرار في المنطقة العربية والشرق أوسطية. والبلدان لديهما إيمان كامل بأن «الاستثمار في الاستقرار» هو أفضل طريق لبناء المستقبل في الإقليم العربي، ولهذا تعمل مصر والإمارات بشكل دائم من أجل تعزيز العمل العربي المشترك، وتوحيد الصوت العربي في مواجهة كافة التحديات والتدخلات الخارجية، وأثمر هذا التعاون المصري الإماراتي عن دعم وتقوية «الدولة الوطنية العربية» في مواجهة التنظيمات والميليشيات الإرهابية والظلامية.
الأمن القومي العربي
ساهم التوافق في الرؤى بين الإمارات ومصر تجاه مختلف القضايا والتحديات الإقليمية والدولية، في تعميق وترسيخ العلاقات الاستراتيجية العربي بين البلدين، التي أصبحت رصيدًا لكل الأمة العربية، من أجل التصدي لكل ما يحاك ضد الأمن القومي العربي، وهو ماتعكسه تصريحات ومواقف البلدين، حيث تؤكد القيادة المصرية، والرئيس عبدالفتاح السيسي، دائمًا أن أمن مصر القومي مرتبط بأمن منطقة الخليج العربي عامة، وبدولة الإمارات خاصة.
تعاون عسكري
وإدراكًا لخطورة ما يمر به الإقليم العربي من تعقيدات وتشابكات شهدت الفترة منذ عام 2014 وحتى اليوم، تعاونًا غير مسبوق في المجال العسكري بين مصر والإمارات، حيث شاركت قوات البلدين البحرية والجوية والبرية في سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة كان أبرزها فعاليات التمرين العسكري المشترك «زايد 3» في مايو الماضي،ومشاركة القوات الإماراتية في فعاليات التدريب المشترك «سيف العرب» في 22 نوفمبر الماضي، كما نفذت القوات المسلحة الإماراتية والمصرية التدريب العسكري المشترك «صقور الليل» في نوفمبر 2019، وفي 25 يوليو 2018 انطلقت فعاليات التدريب البحري المشترك «استجابة النسر 2018»، وقبلها في أبريل من العام ذاته جرت فعاليات التدريب البحري المصري الإماراتي المشترك «خليفة 3»، وغيرها الكثير والكثير من التدريبات والمناورات المشتركة بين البلدين.
وتشكل الجوانب الاقتصادية أحد الأعمدة القوية للعلاقات المصرية الإماراتية، وقد أسهمت الإرادة السياسية القوية لدى قيادتي البلدين في الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية حتى أصبحت نموذجًا في العلاقات العربية والإقليمية. وقدمت الإمارات 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري عقب ثورة 30 يونيو، كما يعد السوق الإماراتي الوجهة الأولى للصادرات المصرية ويستقبل سنويًا نحو 11% من إجمالي صادرات مصر للعالم، في حين تسهم الإمارات في السوق المصرية بمشروعات تزيد استثماراتها على 15 مليار دولار، بالإضافة إلى تأسيس منصة استثمارية بـ20 مليار دولار، بحسب بيانات رسمية للحكومة المصرية.
وتعد الإمارات الشريك التجاري الثاني عربيًا والتاسع عالميًا لمصر، حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير البترولي بين البلدين خلال عام 2019 نحو 6 مليارات دولار، بنسبة نمو بلغت 9.6% مقارنة بعام 2018، وتعد مصر سادس أكبر شريك تجاري عربي للإمارات، حيث إن عدد الشركات الإماراتية في مصر يزيد على 1165 شركة، تعمل في مختلف المجالات الاقتصادية.
محطات تاريخية
شهدت العلاقات الإماراتية المصرية محطات تاريخية على مدار 50 عاما، ستبقى محفورة في سجل التاريخ وذاكرة البلدين، ومن أهمها تلك المساعدات الاقتصادية التي أمر بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات للقاهرة في عام 1967،عقب نكسة يونيو.
ثم أعقب ذلك بـ4 أعوام، بداية العلاقات السياسية بين الإمارات ومصر، لينطلق بعدها بأقل من عامين دعم جديد من الإمارات لمصر في حرب أكتوبر 1973.
وكما لا ينسى العرب مقولة الشيخ زايد، لا ينساها المصريون حين أطلق مقولته الشهيرة "النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي".
وفي عام 1995، أمر الشيخ زايد ببناء مدينة زايد في مصر لإسكان 150 ألف نسمة، وفي عام 2013 جاء الدعم في الظروف الحرجة التي مر بها المصريون، ليكون سياسيا واقتصاديا بعد ثورة 30 يونيو.
ويسجل التاريخ للشيخ زايد أنه الرجل الذي غرس التوجه نحو مصر بكل الحب والتقدير وتعهد العلاقات الإماراتية-المصرية بالرعاية والعناية، ونسج علاقات بالغة التميز والخصوصية معها.
وهناك العديد من المشروعات التي أقامها على أرض مصر، ومن أهمها مدينة الشيخ زايد،وهي إحدى المدن الجديدة التي أنشئت عام ١٩٩٥ بتمويل صندوق أبوظبي للتنمية.
كذلك حي الشيخ زايد بمدينتي السويس والإسماعيلية، وهما من الأحياء التي قدمها زايد للمصريين كمساهمة جادة في إزالة آثار العدوان الإسرائيلي على مدن القناة في حرب يونيو عام ١٩٦٧.
ومنها قناة الشيخ زايد بطول ٥٠ كيلومترًا في توشكى، لزراعة ٤٥٠ ألف فدان، وقدمها رحمه الله هدية لمصر، وترعة الشيخ زايد في منطقة وادي النطرون، وترعة الشيخ زايد شرق قناة السويس في قلب سيناء، والتي تروي ٤٠ ألف فدان، كل ذلك عن إيمان عميق منه بمصر ودورها الحيوي والتاريخي تجاه أمتها العربية.
والمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو صاحب المقولة الشهيرة "مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا مات القلب فلا حياة للعرب".
تظل العلاقات المصرية الاماراتية شاهدا على أن الأبناء دائمًا على درب الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي ظل عاشقًا ومحبًا لمصر وشعبها.