قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: "لا بد أن يتناغم المسلم مع كل ما هو حوله في الكون من حجر وشجر وجمادات بالتدبر والتأمل؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متناغمًا مع الكون كله بالشكل الذي حباه الله به، فهو الذي سبَّح الحصى في يديه وحن إليه الجذع، ومِن تناغُم النبي صلى الله عليه وسلم مع الكون ما حدث من جبل أحد، فقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "أحد جبل يحبنا ونحبه"، وعندما صعد عليه صلى الله عليه وسلم مع سيدنا أبي بكر الصديق وعمر وعثمان رجف الجبل، فقال له النبي: "اسكنْ أحد! فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان".
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا أن التماثيل التي صنعها الأقدمون قبل الإسلام تمثل تراثًا تاريخيًّا ومادة حية من مواد التاريخ لكل أمة، وهي محل التأمل والتدبر والاعتبار والتعلم، إذ يُعد ذلك كله من قبيل التناغم والتفاعل مع ما هو موجود في الكون؛ ولذا فلا يجوز تدميرها وتحطيمها باعتبار أنها محرمات أو منكرات يجب تغييرها باليد.
وأشار المفتي إلى أن التماثيل التي تم صنعها قبل الإسلام هي تراث تاريخي لا يعبده أحد الآن، وقد اتفق العلماء على حرمة التماثيل إذا كانت تصنع من أجل العبادة والتعظيم والتقديس من دون الله.
وأكد أنه لا مانع شرعًا من الإبقاء على التماثيل الأثرية، فهذه الآثار الموجودة منذ العصور السابقة على دخول الإسلام استمرت ولم يحطمها أحد من الحكام المسلمين؛ لأنهم لم يروا فيها ضررًا على عقيدة المسلمين، وإنما هي مجرد آثار تاريخية ومزارات فقط.
ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى أن الحفاظ على الآثار التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي وبعضها إلى حضارات الأمم السابقة، أمر ضروري، ومشاهدتها أمر مشروع ولا يحرِّمه الدين، بل شجَّع عليه وأمر به لما فيه من العبرة من تاريخ الأمم.
وشدد على أن تدمير التراث الحضاري أمر محرم شرعًا، ومرفوض جملة وتفصيلًا، وكذلك التعامل بالتهريب والبيع والشراء للآثار؛ فإن "الآثار من القيم التاريخية والإنسانية التي ينبغي عدم مسها بسوء، وهي إرث إنساني يجب الحفاظ عليه، ولا يجوز الاقتراب منه أبدًا".
وأكد المفتي أنه لا يخفى علينا مدى أهمية الحفاظ على الآثار؛ إذ يعكس ذلك المستوى الحضاري للشعوب، وهي تعتبر من القيم والأشياء التاريخية التي لها أثر في حياة المجتمع؛ لأنها تعبر عن تراثها وتاريخها وماضيها وقيمها، كما أن فيها عبرة بالأقوام السابقة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هدم آطام المدينة؛ أي حصونها.
وأشار المفتي إلى أن كل التماثيل الأثرية مجرد تسجيل للتاريخ، وليس لها أي تأثير سلبي على عقيدة المسلمين؛ ولهذا فإن الإبقاء على الآثار الفرعونية ليس محرمًا، خصوصًا أنها تدر مصالح اقتصادية للبلاد من خلال تنشيط السياحة.
وأوضح مفتي الجمهورية أن جماعةً من الفقهاء المحققين أجازوا اتخاذَ التماثيل إذا لم يُقصَد بها العبادة، ونصوا على أن تحريم التماثيل الوارد في الشرع إنما جاء سدًّا لذريعة عبادتها، وحسمًا لمادة تقديسها، فأما المجسمات على صور الحيوانات والبشر التي لا تُتَّخَذُ للعبادة فلا تحرم، فالنهي عن اتخاذ التصاوير والتماثيل التي على هيئة ذوات الروح وعن صناعتها، لم يكن لكونها محرمة في ذاتها؛ بل لما ارتبط بها في الجاهلية من العبادة، فإذا زالت عنها تلك العلة جاز اتخاذها، وكذلك إذا أمن الناس من مظنة عبادتها، وغدت مجرد زينة أو حلية، ولم تُوضَع مَوْضعَ قداسةٍ لصورتها: فقد زالت علةُ تحريمها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ويشهد لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن توضع الصورة في بيته بحيث تشغله عن الصلاة، أو في موضع يوحي بمظنة تقديسها، ولم ينه عن وضعها إذا زالت هذه العلل عنها، وأباحها للمصلحة.
وأضاف مفتي الجمهورية : ومما يدل أيضًا على تخصيص عموم النصوص الواردة في حرمة الأصنام ما ذكره الله تعالى في كتابه الكريم، في قوله تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ [سبأ: 13]، فهذه الآية وإن وردت في حق نبي الله سليمان عليه السلام، إلا أن الله تعالى لم يعقب هذه الآية بما يدل على التحريم، بل أكد الحق سبحانه وتعالى بعدها مباشرة على أنها من نعمه سبحانه وتعالى على آل داود عليه السلام؛ حيث طلب منهم الشكر عليها، فقال سبحانه وتعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ [سبأ: 13]، ومن المعلوم أن شرع مَن قبلنا شرع لنا إذا ورد في شرعنا ولم يرد ما ينسخه؛ مما يدل على أنه إذا لم تكن الغاية والعلة في التماثيل محرمة كاتخاذها للعبادة ونحوها فلا تحرم.