جاءت زيارة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولى الإماراتى مؤخرًا إلى دمشق، ولقاؤه والرئيس السورى بشار الأسد خطوة مهمة تجاه حالة من الانفتاح العربى على سوريا، تدعم المسار الرامى إلى استعادة سوريا مكانتها فى المجتمع والدائرة العربية، بعد سنوات من سوء فهم بشأن توجهات سوريا، والتى تخوض حربًا مع الإرهاب والمطامع الدولية فى الأراضى السورية، والأيادى القذرة التى سعت إلى تخريب العلاقات العربية السورية.
وأدركت مصر مبكرًا هذه المؤامرة التى تقودها دول كبرى، وسعت منذ سنوات إلى العمل على تعزيز مصر العلاقات مع سوريا، ولم تنجرف إلى خلافات وحرب كلامية وإعلامية مع سوريا، بل سعت القاهرة، وإدراكًا من تاريخ العلاقات مع دمشق، إلى بناء علاقات سوية، فى إطار تعزيز العمق المصرى السوري، لكون دمشق هى من أهم مناطق بناء البعد الإستراتيجى المصري، بل العربي، ولم تنقطع تلك العلاقات خصوصًا مع توجه مصر إلى بناء علاقات إستراتيجية ذات أبعاد تستند إلى حماية المصالح العربية فى ظل عالم متغير وأطماع تسعى إلى تمزيق العلاقات العربية العربية.
ووقفت مصر فى كل المحافل وفى كل المواقف نحو التحذير من مختلف الأطماع الخارجية والأجنبية فى سوريا، بما ذلك ما هو قادم من الغرب وأمريكا، والعدو الصهيوني، أو من المحيط الإقليمى مثل تركيا وإيران، ودائما وأبدًا ظلت مصر تدرك جيدا أهمية دمشق فى مواجهة تحديات مشتركة سواء من هذا الإرهاب القادم من الخارج والداخل المدعوم من أموال خارجية وأجنبية، أو هذا الخطر الذى يهدد مصالح عربية مشتركة، والسعى نحو تمزيق سوريا كما حدث فى بلدان أخرى.
والمتتبع للتصريحات المصرية من كل المستويات، يدرك هذا جيدا، فقد أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال القمة المصرية اليونانية القبرصية الأخيرة، تمسك مصر واليونان وقبرص بوحدة سوريا، ورفضها محاولات فرض الأمر الواقع هناك.
وقال السيسى فى مؤتمر صحفى بحضور الرئيس القبرصي، نيكوس أناستاسياديس، ورئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس "هناك توافق بين مصر واليونان وقبرص بشأن التمسك بوحدة وسيادة سوريا ورفض محاولة بعض القوى الإقليمية فرض الأمر الواقع هناك"، وأكد الرفض لأى محاولة من "قوى إقليمية" لتغيير ديموغرافية بعض مناطق الدولة السورية، ومؤكدا على دعم جهود المبعوث الأممى إلى سوريا، من أجل حل الأزمة السورية.
والتقى وزير الخارجية سامح شكرى ونظيره السوري، فيصل المقداد فى سبتمبر الماضى أثناء المشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأكد على الترحيب المصرى بعودة سوريا كطرف فاعل فى إطار الدول العربية.
ورأت مصر أن حالة العزل لسوريا عن محيطها العربى أكبر ضرر ليس على سوريا فقط بل على المنطقة، خصوصا أن سوريا ترتبط بحدود مع دول وكيانات لها أطماع واسعة تمتد من سوريا إلى الميحط العربى كله، وهو ما أعلنه البعض جهرًا ليلًا ونهارًا.
وفى المقابل كان هناك- ولايزال - حرص سورى على عمق العلاقات مع مصر، والتى لم تنقطع رغم حالة التمزق العربى مع سوريا، مدفوعا بمواقف مغلوطة، ورؤية مبنية على مواقف خارج النطاق العربى ذاته، فسبق وأكد الرئيس السوري، بشار الأسد، على أن العلاقات بين سوريا ومصر لم تنقطع خلال السنوات الماضية، إذ أصرت المؤسسات المصرية على إبقاء شيء من هذه العلاقة.
وأرى أن هذا الموقف المصرى المبدئى تجاه سوريا لم يتغير طوال سنوات حتى فى فترات الخلاف العربى العربي، بل كان دافعا نحو تغيير مواقف دول أخرى فى المحيط العربي، فلاشك أن زيارة وزير الخارجية الإماراتى الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، مؤخرًا إلى دمشق، تمثل خطوة نحو استعادة العلاقات بين أبوظبى ودمشق، ليس على المستوى الدبلوماسى الكاملة فقط بل على كل المستويات الاقتصادية والسياسية، وفى العلاقلات الدولية المشتركة.
ولا يمكن أن نمر هنا دون الإشارة إلى إعادة الإمارات فتح سفارتها فى دمشق فى ٢٠١٨، أى قبل نحو ٣ سنوات، وما جرى فى الاتصال الهاتفى بين الرئيس بشار الأسد، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة فى الشهر الماضى من العام الجاري، وهو تطور لافت ومهم، من خلال طرح النقاش حول وسائل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، ويضاف إلى هذا أن سوريا تشارك بقوة وبجناح مهم فى معرض إكسبو دبي.
وهناك بوادر مهمة لاستعادة العلاقات بين دمشق والرياض، فإلى لقاءات سابقة بين الطرفين، فمؤخرا وخلال المنتدى العربى الاستخبارى بالقاهرة نوفمبر الحالي، جرى لقاء مهم بين رئيس جهاز المخابرات السعودي، الفريق خالد الحميدان، ونظيره السوري، اللواء حسام لوقا، ومن المؤكد نوقشت فيه أمور مهمة بشأن العلاقات المشتركة.
ولا نغفل هنا فقد حرص الأردن على استعادة العلاقات بين دمشق وعمان، والاتصال الهاتفى مؤخرا بين الملك الأردني، عبد الله الثاني، والرئيس السوري، بشار الأسد، بهدف إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين، تتويجا للقاءات أخرى على المستوى الاقتصادى والأمني.
ومن قبل كشف أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن رغبة عدة دول عربية وهى الأردن والجزائر والعراق، فى عودة سوريا إلى الجامعة.
كل هذا وغيره مهم ويجب دعمه لاستعادة سوريا لحضنها العربي.
آراء حرة
سوريا والحضن العربى وموقف مصر المبدئى
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق