ناشد مثقفون المسئولين بأجهزة الدولة، إعادة بناء مسرح دمياط القومى من جديد، وذلك بعد تعرضه للهدم فى العام ٢٠١١، بسبب بعض المشكلات المعمارية الناتجة عن تجاهل أعمال الصيانة الدورية والترميم، حتى بات هذا المكان الذى يتبع مبنى ديوان محافظة دمياط مأوى للمخلفات، فتقدم عدد من المثقفين خلال تلك الفترة حتى وقتنا هذا بشكاوى للمحافظين السابقين والحالي لإنقاذ هذه الأرض وإعادة بناء المسرح مرة أخرى لكنها قوبلت بالمماطلة ولم تكن هناك نية فى بنائه.
فيما يُعد «مسرح دمياط القومي» واحدا من أقدم المسارح التابعة لمجلس مدينة دمياط، الذى أنشئ فى منتصف الستينيات، وكان متنفسا ثقافيا وفنيا لأهالى دمياط، استضاف مجموعة كبيرة من المخرجين المسرحيين أمثال نبيل الألفى، وجلال الشرقاوى، وعبدالحفيظ التطاوى، ومحمود شركس، وعباس أحمد... وغيرهم، فقد شهد هذا الصرح منذ إنشائه حراكًا مسرحيًا كبيرًا، وتدفقًا ملحوظًا للزوار من مختلف الفئات والثقافات، دليلا على أهمية دور المسرح فى حياة الناس وإعادة تشكيل الوعى.
«البوابة نيوز» التقت مجموعة من المثقفين لإلقاء الضوء على أهم الصروح الثقافية بدمياط، خاصة مسرح دمياط القومى، ومسرح ٦ أكتوبر برأس البر.
محمد أبوالعلا السلامونى: وجود مسرح فى مكان يعنى بؤرة متوهجة بكل أشكال الفنون
أعرب ابن محافظة دمياط الكاتب المسرحى محمد أبوالعلا السلامونى، عن حزنه، عندما تحدث مع الدكتورة منال عوض محافظ دمياط، بشأن إعادة بناء مسرح دمياط القومى من جديد وكان الرد يحث على التجاهل والتعنت بعدم إعادة بنائه من جديد، معللة الأسباب أن المسرح ليس ذا أهمية وغير مؤثر.
وقال السلاموني: لم يحدث فى أى مكان فى مصر والعالم أن تم هدم مسرح وإزالته من الوجود دون إعادة بنائه وبأمر رسمى من المسئولين وليس بأمر من المتطرفين أو الجهلاء، هذا وللأسف الشديد ما حدث فى محافظتنا دمياط، التى تُعد أعرق محافظات مصر وأقدم موانيها وأكثرها تعرضًا للغزوات وأهمها شهرة فى الصناعات كما بها أقدم قرية سياحية مصرية وربما فى المنطقة «رأس البر» وأفضل من أنجبت نخبة من الأدباء، والعلماء، والمفكرين، والسياسيين. كل هذا لم يشفع لها إعادة بناء ما هُدم من مسرحين عريقين حتى كدنا نحن المثقفين فى دمياط نتمنى أن تخسف بنا الأرض خجلًا حين يؤنبنا أحد بأننا هدمنا صرحين عريقين للثقافة هما: «مسرح مجلس مدينة دمياط» الذى أُخرجت عليه مسرحيات كبار المخرجين، وكذلك مسرح ٦ أكتوبر برأس البر، الذى يعود تاريخه لأوائل القرن الماضى.
وتابع : ألم يستوعب أحد ما كان يردده الرئيس عبدالفتاح السيسى، بأن قضية مصر اليوم هى قضية الوعى؟ مما يلقى على عاتقنا أهمية بناء هذا الوعى بأدواتنا الثقافية وعلى رأسها المسرح؟ والحقيقة أن المسرح ليس مجرد مبنى كما قد يظن البعض، وإنما هو بوتقة كل الفنون التى تبنى الوعى وبناء الإنسان، الذى هو أساس مشروعنا القومى «حياة كريمة» الذى نصرف عليه دم قلبنا، إن وجود مسرح فى مكان يعنى بؤرة متوهجة من الشعر، والنثر، والموسيقى، والرقص، والأداء، والتشكيل، والإعلام وغيرها.
إبراهيم منصور: على الدولة أن تستغل بناء المسارح فى تجديد الخطاب الثقافي
وقال الدكتور إبراهيم منصور، أستاذ النقد والأدب الحديث بكلية الآداب – جامعة دمياط: «أرجو أن تنتبه الدولة والمسئولون إلى الأهمية البالغة للمسرح والفنون فى تجديد الخطاب عمومًا، والخطاب الدينى خصوصا، فالخطاب الثقافى والفن أهم أدوات إصلاح المجتمع، وقد افتقدت محافظة دمياط إلى النهضة الثقافية والفنية التى نشأت فيها فى فترات الستينيات، والسبعينيات من القرن العشرين.
وتابع: أما رأس البر فلك أن تتحدث عن تاريخ حافل من الفنون الراقية كانت تقدم فى موسم الصيف هناك منذ الأربعينيات من أيام طلعت حرب أبو الاقتصاد المصرى، ونحن نفتقد مبنى المسرح الذى هدمه الدكتور محمد البرادعى لتوسيع شارع النيل، نريد من الدولة أن تبنى مركزا ثقافيًا كبيرًا فى رأس البر مثل الذى بنته فى بور سعيد، هذا المركز الثقافى سوف يخدم محافظات الدلتا كلها لا محافظة دمياط وحدها».
محمد عبدالمنعم: صروح دمياط الثقافية فى طى النسيان وحبيسة أدراج المحافظة
وقال الكاتب محمد عبدالمنعم، وكيل وزارة الثقافة، ورئيس إقليم شرق الدلتا الثقافى بالهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق، إن مسرحى «دمياط القومي» و«٦ أكتوبر برأس البر» أصبحا فى طى النسيان، وحبيس أدراج المحافظة وغياب وزارة الثقافة عنها، وكذلك الأمر بالنسبة لقصر ثقافة دمياط الذى يخضع لعملية التطوير والصيانة لمدة قاربت الثلاث سنوات، حتى أصبحت دمياط ورأس البر دون متنفس ثقافى وفنى لأهالى المحافظة.
وتابع عبدالمنعم: عندما توليت أمر الثقافة فى دمياط فى العام ١٩٧١، كان لا يوجد مسارح بدمياط إلا مسرح مجلس المدينة ويطلق عليه «المسرح القومي» الذى أنشئ فى منتصف الستينيات على أرض ملاصقة لمبنى مجلس المدينة الحالى شهد نشاطًا مسرحيًا وفنيًا متميزًا، واستضاف كبار المخرجين المسرحيين، حتى تعرض مبناه مع مرور الزمن لمشكلات معمارية فى غيبة من الصيانة والمتابعة مما أدى لاضطرار المجلس فى نهاية الأمر للتخلص منه بهدمه وإزالة أنقاضه عام ٢٠١١، وتركت أرضه خرابة حتى الآن غير مستغلة إلا لمكاتب العاملين بالمحافظة نظرا لإخضاع مبنى المحافظة المجاور لها للتطوير والترميم وأعمال الصيانة، ولم تكن هناك نية لإعادة بناء المسرح كما كان طبقا لقانون الإسكان فيما يتعلق بدور السينما، والمسرح، الذى يلزم ملاكهم فى حالة الهدم أن يعيد بناءهم كما كانوا.
وواصل: لقد شكونا إلى العديد من المحافظين لإنقاذ الأرض وإعادة بناء المسرح القومى على أرضه طبقا للقانون، ولكنهم رفضوا وماطلوا بدءًا من الدكتور إسماعيل عبدالحميد طه، حتى الدكتورة منال جرجس عوض المحافظ الحالى، التى شرعت فى إقامة أكشاك على تلك الأرض التى نقل إليها العاملون بديوان عام المحافظة، كما سمعنا فترة هدم مبنى المحافظة وإعادة بنائه من جديد لأنه صادر له قرار إزالة وللأسف كانت حجة إسماعيل طه أنه يكفينا مسرح قصر الثقافة وأنه يحتاج الأرض لإقامة مشروع مهم عليها، ولم ير هذا المشروع النور، أما الدكتورة «منال» فقد كان ردها أن المسرح لم يعد له جمهور فلماذا نبنيه؟ لقد ظلت هذه الأرض خرابة مهدرة، شون بها مجلس المدينة بعض مخلفات الإشغالات التى يزيلها، فيبدو أن ذلك هو الاستغلال الأمثل لها.
وأضاف عبدالمنعم، أن معظم المحافظات التى كان بها نشاط مسرحى أو فنون شعبية على قلتها كانت تلك الأنشطة فيها تابعة للمحافظات نفسها وهى التى تنفق عليها وتديرها، بالإضافة أنها فرق متميزة ولكن نشاطها كان قاصرًا على عواصم المحافظات فى مسارحها الخاصة بها وكانت الثقافة الجماهيرية فى الغالب تدعم هذه الفرق فى العامين الأخيرين قبل تولى سعد وهبة رئاسة الثقافة الجماهيرية بالمخرجين وبعض التقنيات مثل البروجكتورات وكان مواكبًا لهذه الفترة ظهور كتاب كبار للمسرح أمثال توفيق الحكيم، وميخائيل رومان، ومحمود دياب، ولم يكن جيل الشباب من الكُتاب قد تبلور بعد وصاحبهم جيل من المخرجين الكبار، وفى دمياط كان الوضع مختلفًا بعض الشيء فكانت لها فرقة مسرحية وأخرى للفنون الشعبية تابعتان للمحافظة تبعية كاملة ولهما مجلس إدارة وكانت الثقافة الجماهيرية ممثلة فيه بمديرها ولم يكن له أى صلاحيات تجاه هذه الفرق ولمع على خشبة المسرح القومى بدمياط نجوم محليون.
وواصل: أنه بمرور الأيام تدهور حال المبنى وانعدام الصيانة له أصبح يمثل خطرًا داهمًا وصدرت له قرارات إزالة ولقى أحد رؤساء المدن فى نفسه الجرأة فأزال المبنى حتى سطح الأرض ونقل أنقاضه إلى حيث لا نعلم، ثم طمع المسئولون بمجلس المدينة فى جزء من الأرض فأقاموا عليها مبنى شائه يزيد مبنى مجلس المدينة قبحًا على قبح واستمرت باقى أرض المسرح القومى بدمياط تنعى حالها وخرابها، فلا هو أُعيد بناؤه ولا تلك الأرض أُعيد استخدامها فيما ينفع المجتمع مما حدا بالبعض إلى التفكير فى الاستيلاء على تلك الأرض التى تقدر بملايين الجنيهات بزعم أنهم أصحاب تلك الأرض، فهل يجد ملف المسرح القومى بدمياط من يُعيد النظر فيه ويُنقذ أرضه من ناهبى أرض الدولة وبالقانون؟