”على رمش عيونها قابل الهوى طـــار عقله منه وقلبه هوى“،”أنا يللي كنت طبيب الهوى ولأهل العشق ببيع الدوا من نظرة لقتني صريع الهوى“، إنه وديع الصافي" صوت الجبل" الذى احتل مكانة خاصة في قلوب محبيه ويعد احد أهم نجوم الغناء في الوطن العربي والذى منحه الرئيس الأسبق الراحل محمد حسني مبارك الجنسية المصرية بسبب أغنية عظيمة يا مصر يا أرض النعم من كلمات أحمد علام، وألحان وديع الصافي.
واليوم 1 نوفمبر الذى يوافق ذكرى ميلاد مطرب الأرز صاحب الصوت الصافي، ترصد ”البوابة“ أبرز المحطات في حياته:
ولد وديع بشارة يوسف فرنسيس في 1 نوفمبر 1921 بقرية نيحا الشوف اللبنانية وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة المكونة من ثمانية أولاد ووالده بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس رقيباً في الدرك اللبناني
يعتبر صاحب تاريخ في لبنان والعالم العربي بالفن والطرب وكان له الدور الرائد بترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه ونشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد وأصبح له لوناً مميزاً في الغناء والتلحين، ليس في لبنان فقط، بل في العالم العربي أيضًا
عاش وديع الصافي طفولة متواضعة يغلب عليها طابع الفقر والحرمان وفي عام 1930 انتقلت عائلته إلى بيروت ودخل مدرسة دير المخلص الكاثوليكية، فكان الماروني الوحيد في جوقتها والمنشد الأوّل فيها. وبعدها بثلاث سنوات اضطر للتوقّف عن الدراسة لأن جو الموسيقى هو الذي كان يطغى على حياته من جهة، ولكي يساعد والده من جهة أخرى في معيشة عائلته.
كانت انطلاقته الفنية بعام 1938 حين فاز بالمرتبة الأولى لحنًا وغناء وعزفًا من بين أربعين متباريًا في مباراة للإذاعة اللبنانية، أيام الانتداب الفرنسي، في أغنية "يا مرسل النغم الحنون" للشاعر المجهول آنذاك الأب نعمة اللّه حبيقة. وكانت اللجنة الفاحصة مؤلّفة من ((ميشال خياط - سليم الحلو - ألبير ديب - محيي الدين سلام))، الذين اتفقوا على اختيار اسم "وديع الصافي" كاسم فني له نظرًا لصفاء صوته.
بدأت مسيرته الفنية بشق طريق للأغنية اللبنانية التي كانت ترتسم ملامحها مع بعض المحاولات الخجولة قبله عن طريق إبراز هويتها وتركيزها على مواضيع لبنانية وحياتية ومعيشية. ولعب الشاعر أسعد السبعلي دورًا مهمًّا أغاني الصافي، فكانت البداية مع "طل الصباح وتكتك العصفور" سنة 1940.
كان أول لقاء له مع محمد عبد الوهاب سنة 1944 حين سافر إلى مصر وفي سنة 1947 سافر مع فرقة فنية إلى البرازيل وبقي فيها 3 سنوات.
بعد عودته من البرازيل، أطلق أغنية «عاللّوما»، فذاع صيته بسبب هذه الأغنية التي لاقت صدى في جميع الاوساط، وأصبحت بمثابة التحية التي يلقيها اللبنانيون على بعضهم بعضا. وكان أول مطرب عربي يغني الكلمة البسيطة وباللهجة اللبنانية بعدما طعّمها بموال «عتابا» الذي أظهر قدراته الفنية.
قال عنه محمد عبد الوهاب عندما سمعه يغني أوائل الخمسينات «ولو» المأخوذة من أحد افلامه السينمائية وكان وديع يومها في ريعان الشباب: "من غير المعقول أن يملك أحد هكذا صوت". فشكّلت هذه الأغنية علامة فارقة في مشواره الفني وانتشاره في الوطن العربي أنداك.
في سنة 1952 تزوج من ملفينا طانيوس فرنسيس، إحدى قريباته، فرزق بستة أولاد وهم دنيا ومارلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.
في أواخر الخمسينات بدأ العمل المشترك مع العديد من الموسيقيين من أجل النهضة بالأغنية اللبنانية انطلاقا من أصولها الفولكلورية، وذلك من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت وديع الصافي، ويلمون وهبي، والأخوين رحباني، وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي، وغيرهم.
مع بداية الحرب اللبنانية، غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976، ومن ثمّ إلى بريطانيا، ليستقرّ سنة 1978 في باريس. كان سفره اعتراضًا على الحرب الدائرة في لبنان، مدافعًا بصوته عن لبنان الفن والثقافة والحضارة، أدى ذلك لتجدّد إيمان المغتربين بوطنهم لبنان من خلال صوت الصافي وأغانيه الحاملة لبنان وطبيعته وهمومه.
منذ الثمانينات، بدأ الصافي بتأليف الألحان القومية نتيجة معاناته من الحرب وويلاتها على الوطن وأبنائه واقتناعًا منه بأن كلّ أعمال الإنسان لا يتوّجها سوى علاقته باللّه.
في سنة 1989 اقيمت له حفلة تكريم في المعهد العربي في باريس بمناسبة اليوبيل الذهبي لانطلاقته وعطاءاته الفنية.
قدم وديع الصافي عددا كبيرا من الأغاني، التي تعتبر علامات لا تنسى، أبرزها على رمش عيونها وتبقوا اذكرونا وعظيمة يا مصر ودار يا دار وعندك بحرية وطلوا أحبابنا ويا عيني ع الصبر
في سنة 1990 خضع لعملية القلب المفتوح، لكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء. وعلى أبواب الثمانين من عمره، لبّى الصافي رغبة المنتج اللبناني ميشال الفترياديس إحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه مع المغني خوسيه فرنانديز وكذلك المطربة حنين، فحصد نجاحاً منقطع النظير أعاد وهج الشهرة إلى مشواره الطويل. لم يغب يوماً عن برامج المسابقات التلفزيونية الغنائية قلباً وقالباً فوقف يشجع المواهب الجديدة التي رافقته وهو يغني أشهر أغانيه.
يحمل الصافي ثلاث جنسيات المصرية والفرنسية والبرازيلية، إلى جانب جنسيته اللبنانية، الاّ أنه كان يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته بانه "ما أعز من الولد الا البلد".
شارك وديع الصافي في المهرجانات الغنائية التالية "العرس في القرية" و"موسم العز" و "مهرجان جبيل" و"مهرجانات فرقة الأنوار" و"مهرجان الأرز" و"أرضنا إلى الأبد" و"مهرجان نهر الوفا" و"مهرجان مزيارة" و"مهرجان بيت الدين"
شارك وديع في أكثر من فيلم سينمائي، من بينها: "الخمسة جنيه" و"غزل البنات" واللحن الأول وإنت عمري وليالي الشرق وموّال ونار الشوق مع صباح والاستعراض الكبير
غنّى للعديد من الشعراء خاصّة أسعد السبعلي ومارون كرم، وللعديد من الملحنين وأشهرهم الأخوان رحباني وزكي ناصيف ويلمون وهبي وعفيف رضوان ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ورياض البندك. لكنّه كان يفضّل أن يلحّن أغانيه بنفسه، لأنّه كان الأدرى بصوته ولأنّه كان يُدخل المواويل في أغانيه، غنّى الآلاف من الأغاني والقصائد ولحّن العدد الكبير منها وشارك في العديد من مهرجانات الغناء.
كرّمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية، وحمل أكثر من وسام استحقاق منها خمسة أوسمة لبنانية نالها أيام الرؤساء كميل شمعون وفؤاد شهاب وسليمان فرنجية والياس الهراوي، توجها الرئيس اللبناني إميل لحود بمنحه وسام الأرز برتبة فارس. ومنحه سلطان عمان وسام التكريم من الدرجة الأولى وذلك في عام 2007م.
كما منحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في 30 حزيران 1991.
كان الصافي قد تعرض لوعكة صحية خلال وجوده في منزل ابنه بلبنان حيث شعر بهبوط حاد في الدورة الدموية، نقل على أثره للمستشفى، لكن لم تفلح جهود الأطباء في إنقاذه بسبب عدم تحمل قلبه للإجراءات العلاجية وتوفى في 11 اكتوبر 2013 أقيم له مأتم رسمي وشعبي حضره حشد من الشخصيات الفنية والسياسية والاجتماعية في بيروت.