صدرت مُؤخرا للكاتبة والمُترجمة المغربية سلمى الغزاوي عن منشورات الهجان/ العراق، ترجمة جديدة بعنوان "عن القراءة"، للكاتب الفرنسي الشهير مارسيل بروست، وهو كتاب فكري يُترجم لأول مرة إلى اللغة العربية، ويقع في مئة وست صفحات من القطع المتوسط.
يقول الناشر: في هذا العمل نتعرف على وجه آخر لبروست المثقف، الباحث في فن القراءة، والذي تجعلنا ذكرياته، تأملاته، تساؤلاته، قراءاته، ملاحظاته، وفلسفته القرائية، نغير من منظورنا للقراءة، ونتعرف في رحلة فكرية شيقة على كتب وكُتَّابٍ قد يكون لهم دور فيما آل إليه بروست، الكاتب، المُترجم والناقد، وكذا المُفكر المُختلف.
في هذا الكتاب/ المتاهة، يعرض بروست رؤيته وتصوره الخاص للقراءة، في فصول مُتداخلة، مُتقاطعة وأحيانا غير مُترابطة أو مُتصلة (ربما كإحالة ذكية على المُمارسة القرائية).
إن هذا النص الذي يقدمه لنا بروست، أو بالأصح هذه المُرافعة عما تمثله القراءة بالنسبة إليه منذ نعومة أظفاره، وما خلفته بداخله من صور، ذكريات وكلمات، هو نص فسيفسائي شبيه بأحجية، نركض فيه لاهثين خلف بروست أثناء رحلته القرائية، في رجوعه إلى الطفولة/ مرحلة القراءة المُمتعة، وفي إيابه المُفاجئ إلى تحليل ونقد رؤية "روسكين" ورؤى كتاب آخرين، هو بحَقٍّ نص سهل مُمتنع، كتاب يصعب سبر أغواره إلى حد يبدو معه في بعض المقاطع مُوَجَّهاً فقط للنُخبة المُثقفة، أو "السادة" كما يلقبهم، بينما هو في الحقيقة أنشودة مُمَجِّدَةٌ لخُصوصية الفعل القرائي، أنشودة بوسع أي عاشق حقيقي للكتب أن يسمعها، يستمتع بها ويفهمها..
انطلاقا من طقوس قراءته في فترة طفولته، أماكنها، وما يميز تلك الأيام، مرورا بالدور العلاجي للقراءة، وانتهاء بامتزاج الحاضر بالماضي عن طريق الكتب، يأخذنا بروست في رحلة قرائية تحبس الأنفاس، وتجعل عقولنا تفكر وتستخلص العديد من الأشياء التي ربما ليس بوسع أي شخص التقاطها والتعمق في كُنهها مثلما فعل بروست، الذي قال عنه ميلان كونديرا: "وصل بروست إلى نهاية رحلة عظيمة استنفدت كل إمكانياته."، لكن مع ذلك أثرُ فكره الفريد بَاقٍ، يحثنا على مواصلة رحلتنا الخاصة للبحث عن أنفسنا، عن رؤانا الشخصية وأحلامنا السرية.
"عن القراءة" تجسيد حي للاستطيقا، كونه مؤلفا يتماهى مع متحف نكتشف رويدا رويدا داخل أروقته اللامتناهية روائع أدبية، تشكيلية، مُوسيقية وكذا معمارية، وهذا الحضور الجمالي المُكثف، المؤرِّخ للآثار الفنية يَنِمُّ عن الذوق الرفيع والاطلاع الواسع والإلمام الكبير لمارسيل بروست بشَتى الفنون، إن براعته في استخلاص الجمال من كل شيء، ولو كان لوحة قاتمة لموريس دينيس، نصا تراجيديا لسُوفوكليس، معزوفة مغرقة في الحزن لفانسان داندي، أو حتى بقايا رخاميات أثرية، وأشكال لغوية مندثرة، يجعلنا لا نرغب في توديع مؤلفه المدهش والبديع هذا، الشبيه بمتاهة "ديدالوس"، خشية أن تلفحنا شمس الواقع كما حدث مع "إيكاروس"، إن قوة هذا النص تكمن في أن بروست يحررنا من أوهامنا، ويقودنا صوب الحقيقة لا عُنوة، بل عن طريق دفع عقولنا وأرواحنا للعمل الدؤوب من أجل النفاذ إلى عمق فكره واستخلاص ما أراد أن يُعَلِّمَنا إياه، وكيف لا، وهو القائل إن الحماسة التي تلي بعض القراءات تنعكس وتؤثر إيجابا على العمل الروحي؟
سلمى الغزاوي هي روائية مغربية صدر لها العديد من الأعمال الروائية والقصصية، ففي مجال القصة صدر لها المجموعة القصصية "مقامات مخملية" 2015م، و"في غفلة الانتظار" 2019م، وفي مجال الرواية صدرت روايتها "تيلاندسيا" 2017م، و"ذاكرة قاتل" 2018م، و"أوركيديا سوداء" 2019م، و"قبل النهاية بقليل" 2021م، كما قامت بإصدار العديد من الترجمات عن الفرنسية منها رواية "آخر يوم لمحكوم بالإعدام" للروائي الفرنسي فيكتور هيجو 2018م، والترجمة الكاملة لديوان "أزهار الشر" للشاعر الفرنسي شارل بودلير 2020م.