الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

البِشعة.. عادة متوارثة من آلاف السنين أم وسيلة للنصب؟

البشعة
البشعة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 يلمح أي مسافر أو متنقل على طريق الإسماعيلية العديد من الإعلانات على الحوائط مكتوب عليها البِشعة العرفية لفض النزاعات والخلافات مرفقة بأرقام هواتفهم، بالإضافة إلى العديد من الفيديوهات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي موجود فيها أشخاص جالسين على الأرض وهم المُشتبه بهم في إحدي الجرائم، وهناك شخص واقف أمامهم ويدعي «بالمُبشع أو القاضي المُبشع»، 

هذا الشخص يمسك بعصاة لها يد خشبية ونهايتها عبارة عن طاسة حديد دائرية مسطحة سُمكها ٥ سنتيمترات، فيغمس «المُبشع» بعصاه فى النار التي درجة حرارتها كالجمر لأنه يمكثها قرابة ٤ ساعات لكي تمتص أكبر كمية من النار، ويردد البرئ لا يخاف من أى شىء، ولو الجريمة المطروحة في الجلسة سرقة فيكون القسم كالآتي: «أَقسِم بأنك لا سرقت بيدك ولا أمرت بلسانك ولا لك أي شركة بالسرقة ولا أتصلت بهاتفك لغرض السرقة وبعد أداء القسم يقوم القاضي بتمرير الطاسة الدائرية على لسان كل متهم فيلعقها ٣ مرات وإذا مرت عليه بسلام فيقوم بالمضمضة بالماء الذي أمامه ٣ مرات وأثناء هذا الوقت تكون عين القاضي العرفى على الحاضرين لكي يحاول بفراسته وذكائه مراقبة ردود أفعالهم لكي يصل إلى الحقيقة».

 

محضر عرفى

وقبل التبشيع يبدأ القاضي العرفي بتدوين ما يسمي «المحضر العرفي» وبه تتم كتابة أسماء أطراف النزاع ونوع القضية والعقاب الذي يناله المتهم الحقيقي بالإضافة إلى تسديد تكلفة البشعة والمبلغ المالي الذي سوف يحصل عليه الشخص البرئ أو العقاب المتفق عليه، وهي جلسة واحدة لا تقبل النقض حيث يمكث القاضي العرفي مع أطراف النزاع كل منهم على حدى لكي يصل إلى الصواب.

محكمة البِشعة.. أداة لكشف الكذب عند القبائل البدويين 

لكي نصل إلى حقيقة الأمر تواصلت «البوابة نيوز» مع أحد المبشعين من مدينة الإسماعيلية ويدعي «ف. س العيايدي» ويقول إنه في أغلب القضايا وبنسبة ٩٠٪ منها يُعرف الكاذب من الصادق قبل البدء بالتبشيع وذلك عندما تتغير إيماءات أحد المتهمين ويظهر عليه الارتباك والخوف ويبدأ ببلع ريقه وطلب شرب الماء بسبب جفاف فمه ولعابه والقيام بقراءة العديد من الأدعية والآيات القرآنية وعلي ذلك يقوم البعض بالاعتراف بالحقيقة حتى لا يُحرق لسانه أما البعض الآخر يكابر ويمد لسانه للملعقة حتى ينتهي به المطاف إلى حرق أو قطع لسانه وتهتك شفاتيه ولحم ذقنه من شدة وسخونة النار.

 ويستطرد أن البشعة عادة معروفة من آلاف السنين، توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، وتسمي بهذا اللفظ لبشاعة وهول ما يتعرض له الكاذب بالفعل، وتعتبر الشيء الوحيد العرفي الذي يظهر الجاني من المجني عليه، فالبشعة إحدى أدوات الجلسات العرفية منذ قديم الأزل كان لا يوجد محاكم أو قضايا فكان البشر يحكتمون لها لأن لا يوجد حكم غيرها، فهي متحملة أعباء كبيرة عن الشرطة لأنها بمثابة عُرف وقضاء عادل بالنسبة للبدو والعشائر وتساعد على الاستقرار والتماسك بين أبناء القبائل، كما تحل المشكلات لمن يأتوا إلينا دون امتلاكهم لدليل أو إثبات ونحن من خلال عملنا نتوصل إلى الحقائق.

القضايا

ويستكمل المُبشع حديثه أن هذه الظاهرة غير مقصورة على قضية بعينها فهي تتدخل في جميع القضايا من، قتل، شرف، سطو وتعدي، سرقة شئون المرأة والأسرة، نزاعات الأراضي والاختطاف.

وتابع «العيايدى» أن البشعة من عشرات السنين كانت تضم جميع القضايا البدوية وكان يحكم فيها مُبشع معروف عنه أصله ونزاهته وأخلاقه الحميدة وحكمته ورزانته في الحكم على الأشياء ولكن مع تقدم الزمن وتعدد القبائل والزوار من المدن بجميع الفئات من أول عامل النظافة حتى الأطباء والفنانين وأصحاب المهن العليا، فشهريًا يتصل به أكثر من ١٠٠٠ شخص ويوميًا يتواصل معه قرابة ٣٠ فردا، فأصبح لدينا ما يعرف بالمحاكم العرفية وهى إحدي عشر محكمة وتأتي محكمة البشعة في المرتبة الأخيرة نظرًا لأنها تعتبر من القضايا الكبيرة التي يصعب على القضاة الوصول إلى نتيجة بها.

 فيأتي «قُضاة الحاملة» وهم فى قائمة القضاة العرفيين المسئولين عن الجرائم الكبرى وهي تنقسم ثلاث قضايا عرفية: - القضية الأولي وتعرف بـ«منقع الدم» وقاضيها يدعي بقاضي الرقاب فهو ينظر في قضايا القتل العمد وغير العمد، جرائم القتل، والقصاص، وغالبًا يكون من قبيلة المسعودي. - القضية الثانية وتعرف بـ«قضية العِرض» وقاضيها يدعي بالقاضي العقبي فهو ينظر في قضايا شئون المرأة، الأسرة، الطفل، والتعدي على حرمات المنازل، وغالبًا يكون من قبيلة البلوي. - القضية الثالثة وتعرف بـ«المنشد» وقاضيها يدعى بالقاضي الأحمدى فهو ينظر إلى قضايا تقطيع الوجه والتعدي على الأشخاص والضرب، وغالبا يكون من قبيلة العيايدية.

ويعاود القاضي البدوي الحديث أن هناك «قُضاة العارفة» وهم تكملة للقضاة العرفيين المسئولين عن النظر باقي القضايا الأخري ومنهم: - قاضي الإقطاعات وهو ينظر في قضايا نزاعات الأراضي وقضايا الخيول وغالبا يكون من قبيلة المساعيد. 

- القاضي العشائري وهو ينظر في القضايا اليومية لدي القبائل ومشكلاتهم وهذا النوع من القضاة يوجد في جميع القبائل.

- أما نحن القضاة المبشعين فننظر في القضايا غير المعروف فيها الصادق من الكاذب وذلك عن طريق تلحيس النار.

وأكد أن مهنته أصيلة ولها سر وآيات قرآنية محددة يورثها الأب للابن، وأن المبشع الذي يقبل أي مقابل مادي أمام تبرئة متهم حقيقي ارتكب الجريمة بالفعل فهو نصاب واتخذها مهنة للاسترزاق فقط وليس من عشائرنا. 

 

 

ظاهرة خرافية

انتقلنا إلى رأي معارض لهذه الظاهرة وهو الدكتور إيمان يحيي بكلية الطب جامعة قناة السويس، وكان سؤالنا له هل البشعة تتم عن طريق السحر والشعوذة أم اللعب على العامل النفسي؟ فكانت إجابته أن البشعة ظاهرة خرافية ترجع إلى عوامل نفسية حيث تقوم فكرتها أن الأشخاص المتهمين في جريمة ما، البرئ منهم يكون واثقا من نفسه أنه مظلوم من التهمة المنسوبة إليه وبالتالي لا يجف لعابه فلا تؤثر به النار ولكن المتهم المذنب الذي قام بالجريمة فتظهر عليه علامات الخوف والتوتر ولذلك ينشف ريقه وعندما تقترب أداة البشعة منه تمسك بشفتيه ولسانه، وأن القاضي يتعمد إطالة الوقت في الجلسة العرفية وبتقليب الملعقة في النار لفترة تصل من ٣ لـ٤ ساعات حتى يصيب الارتباك المجرم فيعترف بالحقيقة قبل التصاق النار بلسانه. 

ويضيف «يحيى» أن هذه الأكذوبة أصبحت وسيلة للنصب على الجَهلة من عامة الناس فهو أمر مخالف للمنطق وأيضًا الشريعة الإسلامية، وحديثا تخلت الكثير من القبائل والعشائر البدوية عنها لأنه بسببها تعرضت حالات كثيرة للظلم لعدم قدرة المبشع للوصول للمذنب الفعلي.