الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

جدتي وعبد الناصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

ليس غريبا أن تفتح فيس بوك وتويتر في الثامن والعشرين من سبتمبر  من كل عام، لتجد صورة الرئيس جمال عبد الناصر  تتصدر الواجهة. صور عديدة  وتعليقات لا حصر لها تدعو له بالرحمة وتبثه حبها الذي تربت عليه كنوع من المحبة  المتوارثة من آبائهم وأجدادهم. حتى الأجيال الجديدة أيضا لم تخل صفحاتهم من صورته ممهورة بالرحمات والدعاء. أنا أفعل ذلك أيضا ولكني لا أترحم عليه وحده وإنما اترحم على جدتي معه وغالبا ما أتذكر نفس الحكاية بصوت جدتي.
تسحبني الذكرى لحائط البيت الذي تزينه صور كثيرة بالأبيض والأسود ف  في براويزها الأنيقة أبرزها صورتان  بالزي العسكري – البدلة والبيريه - واحدة لشاب وسيم هو عمي، والثانية للرئيس جمال عبد الناصر الذي كنت لا أعرفه وقتها، فهناك كثيرون  ممن لا أعرفهم في البراويز بجواره، جميعهم في بدلاتهم الكاملة وعلى رؤوسهم طرابيش في الغالب. وبعضهم يقفون بشكل سينمائي مع زوجاتهم الجميلات شعرهم يلمع ونظاراتهم تعطيهم مسحة من الشموخ. أعتقد وقتها أن ما كان يسحرني كطفلة هو تسريحات شعر عماتي أناقتهن وجمالهن في الصور.
حينما كبرت قليلا وتغيرت اهتماماتي وأصبحت صديقة جدتي بشكل ما بدأت أتحين الفرص للحديث معها أو بالأحرى أسئلتي لها وإجاباتها التي كانت تفتح كل يوم بابا جديدا على دنيا ساحرة  وحكايات قد تبدو للبعض خرافية لا تصدق. بدأت بالسؤال عن شخصيات الصور فقالت هذا أخي قدري وزوجته وهذا أخي فريد وهذا محمود وهذا وهذا... وتوقفت عند صورة فقلت لها انتظري أعرفه " مصطفى كامل؟" فقالت لي بصوت به رنة من الحنين إنه أبي. وحكت عنه. فقلت لها وهذا عمي ثم أشرت إلى صورة عبد الناصر وقلت لها. ومن هذا ؟ من يكون في سلسلة أقاربنا فقالت لي أنه ليس قريبنا نحن فقط. بل قريب كل فرد في مصر وربما العالم العربي كله لو حسبنا القرابة بالمحبة وليس بالعصب أو النسب. إنه الرئيس جمال عبد الناصر. فقلت لها بدهشة: -يا نينة إنت حاطاه في وسط العيلة - تقريبا بجوار مجلسك فقالت لي:  أرسلت له تليغراف أشكو فيه نقل جدك إلى الصعيد  فرد على وأرسل تليغرافا باسمي وأعاده بعد أن فقدنا الأمل في عودته. كانوا قد نقلوه إلى البداري بعد أن تشاجر مع مدير المستشفى الذي يعمل به وضربه، فقلت لها: ضربه ؟ لهم حق. فقالت: استنجدت به إحدى الحكيمات ممن يتحرش بها فهل جزاء الرجولة  النفي إلى الصعيد؟ فقلت لها وهل كان يرد على الخطابات والمراسالات يا جدتي فقالت نعم. وحتى الأطفال كان يرد عليهم لو أرسلوا له يرد على التلاميذ وعلى الفلاحين والسيدات ويهتم بكل فرد يرسل إلى رئاسة الجمهورية قالت أنها مازالت تحتفظ برده ضمن مقتنياتها. قالت أنه كان أبا للجميع وأخا أيضا.بعدها كبرت وقرأت وعرفت الكثير عنه.أذكر مرة أن أبي رحمة الله عليه أنزعج حينما سمعت صوت عبد الناصرفي أحد لقاءاته ولم أعرفه. وكاني ارتكبت حماقة " مش عارفة ده صوت مين؟" وكأنه يلومني.
منذ سنوات قليلة كان بيتنا الكبير قد بيع  و كان عليهم أن ينقلوا كل ما به من مقتنيات وجدت التلغراف الذي رد به الرئيس جمال عبد الناصر الذي حكت لي عنه وأنا طفلة. مؤرخا عام 1962  ومكتوب عليه رئاسة الجمهورية واسم جدتي السيدة/ عين الحياة.
في كل عام في سبتمبر أتذكر جدتي والرئيس جمال عبد الناصر وحائط الذكريات والصور وأدعو لجميع من رحلوا منهم بالرحمة والغفران.