الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العالم

ألبانيا.. ملاذ آمن للنخبة الأفغانية

«البوابة نيوز» تنشر لقاءات «لوموند» مع اللاجئين الهاربين فى مدينة شنغجين الساحلية

 أفغانيات يتمتعن
أفغانيات يتمتعن بالبحر الذى برونه لأول مرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يعيشون أحاسيس التناقض بين المغادرة الدرامية لبلدهم وأجواء المرح فى ألبانيا

فتيات يشاهدن البحر لأول مرة فى  الحياة ينطلقن ببنطلونات الجينز على الشاطىء

معظمهم صحفيون ومهندسون وعلماء ويؤكدون: طالبان تكرهنا.. كل ما بنيناه فى عشرين عاما يتهدم أمام عيوننا 

يتهمون الرئيس السابق أشرف غنى بعقد صفقة مع الحركة «الأصولية» ضد مصلحة شعب أفغانستان

 

نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية، تحقيقًا لمحررتها إيزابيل ماندرود، التى التقت لاجئين أفغان يتواجدون حاليًا فى ألبانيا، إنتظارًا لترحيلهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر قد يتطلب مدة تقترب من العام لاستكمال إجراءات اللجوء إلى أمريكا التى كانوا يعملون لصالح منظمات تابعة لها فى أفغانستان.. فإلى ما نشرته «لوموند»:

غادروا مطار كابول في ظروف مأساوية، تم نقل العائلات بواسطة الطيران العسكري الأمريكي إلى هذا البلد البلقاني الصغير، فى انتظار الحصول على تأشيرة افتراضية للولايات المتحدة.

إنهم مهندسون أو أطباء أو صحفيون أو مدرسون أو طلاب دراسات عليا. يتحدثون اللغة الإنجليزية في الغالب. النخبة الأفغانية هنا في ألبانيا، تجمعوا في بلدة شنغجين الساحلية، على ساحل البحر الأدرياتيكي بالقرب من الجبل الأسود، حيث لم تتلاشى حرارة الصيف بعد. أول من وصلوا في 27 أغسطس، كانوا 121 رجلًا وامرأة وطفل.. وجدوا أنفسهم أمام مشاهد  «سريالية» بالنسبة لهم، عندما اكتشفوا مكان إقامتهم: فندق خمس نجوم مقسم إلى عدة مبانٍ، يتواجد في منتصفه، نسخة طبق الأصل لتمثال الحرية، رمز الوجهة النهائية التي يطمحون إليها، ووجدوا أنفسهم أمام شاطىء البحر وهم القادمون من دولة بلا سواحل على الإطلاق. منذ ذلك الحين، انضم إليهم آخرون: 457 لاجئًا أفغانيًا، لم يعرفوا شيئًا عن بلد العبور هذا، حتى اسمه، يقيمون الآن في الموقع، وفقًا لإدارة مؤسسة سوروس في مدينة دوريس الساحلية، غرب تيرانا، التى تتولى أمورهم.

 

أفغانية.. فى لحظة تأمل أمام حمام السباحة

ألبانيا، مثل كوسوفو ومقدونيا الشمالية، وضعت نفسها في الطليعة لتستقبل، بناءً على طلب الولايات المتحدة، أولئك الذين فروا من نظام طالبان بعد أن عملوا معهم. وعدت تيرانا باستقبال ما يصل إلى 4000 لاجئ لفترة انتقالية « من اثني عشر إلى أربعة عشر شهرًا»، بينما تتم تسوية إجراءات دخول الولايات المتحدة. «بالنسبة لنا، هذا سبب طبيعي. قبل ثلاثين عامًا، كنا مثل الأفغان عندما غادرنا إلى السواحل الإيطالية»، كما يؤكد، في مكتبه في تيرانا، المسؤول عن اللاجئين إيدي راما.

في وقت مبكر من 19 أغسطس، نشر رئيس الوزراء الألباني الاشتراكي صورتين على تويتر، إحداهما تظهر مئات الأفغان محشورين في طائرة عسكرية أمريكية في مطار كابول، والثانية: الآلاف الآخرون من الألبان وقد اقتحموا سفينة شحن في عام 1991 بعد سقوط النظام السابق.

حتى الآن، تمكن 700 لاجئ أفغاني فقط من الوصول إلى أرض النسور، بسبب توقف عمليات الإجلاء. تم دعم أكثر من مائة شخص من قبل مؤسسة سوروس في مدينة دوريس الساحلية، غرب تيرانا. 

شعور بالضيق يسيطر على الجميع

واصلت «لوموند»: في شنغجين، على بعد 70 كيلومترًا شمال تيرانا، كان التناقض بين الظروف الدراماتيكية لمغادرة اللاجئين لبلدهم أفغانستان والأوضاع المرحة، إن لم تكن الفخمة، أمرًا مدهشًا. الأولاد الصغار يمرحون في حمام السباحة وهم يضحكون. يتم تنظيم ألعاب كرة الريشة أو الكرة الطائرة في كل مكان. وعندما تغرب الشمس، تسلك النساء الطريق إلى الشاطئ القريب. تغامر الفتيات المراهقات في الماء ويضحكن ويسحبن ستراتهن فوق بنطلوناتهن. لم تر الكثيرات منهن البحر من قبل.. لطيفة فتاة جميلة تبلغ من العمر 15 عامًا، ومعها صديقاتها، كلهن يرتدين بنطلونات جينز مثقوبة في ركبتيها.. تمد لطيفة يدها لتتذوق قطعة ذرة مشوية يقدمها مواطن ألباني بشكل عفوي.

 إن محنة الأفغان يمكن التعرف عليها للوهلة الأولى من خلال طريقة تشبثهم بهواتفهم المحمولة لمتابعة أخبار من تبقى من العائلات. تهمس ليندا محمدي: «جسديًا أنا هنا، لكن عقليًا بقيت هناك». تغمر عيناها الخضرتان الجميلتان الحزن عندما تعترف بأنها خافت من إظهار أي صور لها قبل مغادرة أفغانستان. مثل الكثيرات هنا، قامت الفتاة البالغة من العمر 26 عامًا، والتي تخرجت في الزراعة وعلم الوراثة، بمسح كل شيء على هاتفها الخلوي، وملفها الشخصي على فيسبوك، وحسابها على انستجرام، خوفًا من أن تجدهم طالبان.

كانت تعمل فى منظمة غير حكومية أمريكية، تروي ليندا الانفصال المؤلم عن عائلتها، والساعات التي أمضتها عند بوابات مطار كابول، والرعب الذي استولى على ركاب حافلتهم الـ67 التي استأجرتها منظمة أمريكية.. بالكاد بعد عبور الحواجز الأخيرة، علموا بالهجوم الانتحاري الذي وقع في 26 أغسطس والذي خلف أكثر من مائة قتيل  بمن فيهم 13 جنديًا أمريكيًا. تقول: «منذ تلك اللحظة، طُلب منا ترك كل شيء، ونأخذ معنا هاتفنا الخلوي فقط، أو جهاز كمبيوتر، وأوراقنا. قمنا بفرز كل شيىء على الأرض».

وسط حالة من الذعر، تفقد ليندا محمدي رفقاءها وتنطلق في 28 أغسطس على متن إحدى هذه الطائرات العسكرية الأمريكية المليئة بمئات الأشخاص الذين انتشرت صورهم حول العالم، فى اتجاه قطر، قبل أن يتم نقلها، بعد يومين، إلى ألبانيا. 

حصل جميع ركاب تلك الحافلة بالفعل على نفس الخطاب الثمين، وهو خطاب من معهد التكنولوجيا الزراعية في جامعة ميشيجان، والتي عملوا معها في كثير من الأحيان لسنوات، تعلن فيه الجامعة أهليتهم للمغادرة. نجيب (تم تغيير الاسم الأول بناءً على طلبه)، 39 عامًا، حاصل على درجة الدكتوراه من هذه الجامعة، وصل مباشرة إلى ألبانيا من كابول مع زوجته وأطفاله الثلاثة الصغار. يتعلق برقبته، طفله الأصغر، 5 سنوات، لا يتركه لحظة.

يتنهد قائلًا: «زرت الولايات المتحدة ثلاث مرات، وعدت ثلاث مرات للعيش والعمل في أفغانستان.. وكان علينا ترك كل شيء وراءنا. آخر شيء اعتقدته عندما أغلقت باب المنزل هو أن العشرين عامًا الماضية قد ولت. كل التقدم المحرز، كل العمل المنجز، انتهى كل شيء».

كراهية طالبان

لاجئون على رأس مجموعات مختلفة.. كلٌ حسب المنظمة التي كان على اتصال بها والتي سجلته في قوائم الإخلاء. تمول هذه المنظمات أو الجمعيات نفسها، وليس من حكومة الولايات المتحدة، وتتولى مصاريف أماكن إقامتهم وطعامهم؛ فى ألبانيا. وهكذا نلتقي بمجموعة من الصحفيين، خمسة وعشرين محررًا ومصممي جرافيك، وهي مجموعة من مؤسسة أمريكية خاصة، ومجموعة من الطلاب، ومجموعة أخرى على صلة بمنظمة غير حكومية إنسانية.

فيصل كريمي المتواجد فى شنغجين حاليًا، محاضر صحفي في جامعة هيرات، ثالث مدينة أفغانية في شمال غرب البلاد، كما ترأس معهد البحوث والدراسات الإعلامية، حيث تم تدريب العديد من الصحفيات الأفغانيات. يقول: «طالبان تكرهنا. تلقيت رسائل تهديد، ثم أخبرني الجيران أنهم جاؤوا إلى مكتبي ويبحثون عني». قرر الفرار من المدينة والوصول إلى كابول بأسرع ما يمكن بالحافلة، مع عائلته بعد التخفى وراء لحية مستعارة. بعد أن وصل ألبانيا، علم أن طالبان اعتقلت ابن عمه المصور مرتضى صمدي أثناء تغطيته لاحتجاج نسائي. 

 إنهم جميعًا يتشاركون في نفس الكراهية تجاه طالبان، التي عادت إلى السلطة بعد عشرين عامًا من التقدم، وللرئيس السابق أشرف غني، الذي هرب، ويتهمونه بعقد «صفقة» مع الإسلاميين الأصوليين. يتابع نجيب: هل تغيرت طالبان؟ ثم يبتسم إبتسامة حزينة فائلًا: لا يمكن تعيين وزراء دينيين لإدارة الاقتصاد أو الزراعة أو التعليم!؟ إنه عبث. نصف الموظفين المرتبطين بجامعة ميشيجان، لا يزالون هناك، غير قادرين على مغادرة البلاد. ومثلهم، لا يزال آلاف الأفغان ينتظرون الحل مع تدهور الوضع الإنساني. 

لحظات للمتعة على شاطىء البحر

على حافة حمام السباحة، يضع محمود، طبيب أسنان، رأسه بين يديه. بسبب عدم وجود جوازات سفر، لم تتمكن زوجته وأطفاله من المغادرة في نفس الوقت الذي غادر فيه البلاد.

في مكتبه المغلف بورق الحائط الذي صممه بنفسه، حيث درس الفنون الجميلة في باريس، يريد إيدي راما أن يكون واقعيًا. وقال: «من المحتمل أن يستغرق الأمر أكثر من عام قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى الولايات المتحدة، وسيتعين علينا إيجاد حلول لتعليم الأطفال. يجب أن نستعد أيضًا لإنهاء تمويل المنظمات الأمريكية». 

رئيس الوزراء الألباني، الذي يتولى السلطة منذ سبتمبر 2013، يتحدث عن تجربته. منذ عام 2014، وبناءً على طلب واشنطن، استقبلت البلاد 3000 مجاهد إيراني، وصلوا بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، حيث تجمع هؤلاء المعارضون لنظام طهران، بالإضافة إلى خمسة من الأويجور الذين غادروا جوانتانامو فى 2006.

في ألبانيا، وهي دولة صغيرة في منطقة البلقان يقل عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة، حيث لا يتجاوز متوسط ​​الراتب الشهري 460 يورو، فإن اختيار الترحيب بهم ليس مفتوحًا للنقاش، بما في ذلك في صفوف المعارضة.

ويوضح سباستيان جريكورت، مدير المرصد البلقانى: «الألبان يدينون بكل شيء للولايات المتحدة، من اندماج ألبانيا في الهيئات الدولية، بما في ذلك منظمة حلف شمال الأطلسي [في عام 2009]، إلى الاستقرار، بما في ذلك مشاريع الطاقة الكبرى». ويؤكد توبي فوجل، المتخصص في البلقان، ومقره بروكسل: «إن الألبان يأخذون دورهم في الناتو على محمل الجد، والترحيب ببعض اللاجئين هو سياسة ذكية، لأن ليس لديهم الكثير ليقدمونه لدول كبيرة».

يتابع هذا الخبير: الدول المحبطة من تأجيل عضويتها في الاتحاد الأوروبي «مثل ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا الشمالية»، هى أكثر البلدان الموالية لأمريكا في العالم، وتسعى أكثر من أي وقت مضى لكسب ود واشنطن.