يكاد لا يمر يوم واحد إلا ونسمع عن حوادث قتل أو انتحار دامية قد تختلف ظروفها أو دوافعها ولكنها اشتركت جميعها في أمر واحد متمثل في الألعاب الإلكترونية التي أصبحت عنوانا في السنوات الأخيرة على حوادث الانتحار التي دقت ناقوس خطر بالغ أمام المجتمع.
في مدينه نصر ألقت فتاة نفسها من الطابق السادس بالمجمع التجاري «سيتى ستارز» حيث توفيت على الفور، وأنهى عاطل في منطقة بولاق الدكرور حياة شقيقه ذبحًا بسبب مشادة كلامية بينهما، كما قتل شخص في الدقهلية صديقه بدفعة من أعلى الكوبري، ليتركه يواجه الموت غرقًا بسبب المال.
في ذلك السياق قال المخرج التليفزيوني تامر الخشاب إن «السوشيال ميديا» ساهمت بشكل سلبي جدا في مثل هذه الأحداث كما أن مواقع التواصل تتناول مسألة الانتحار على أنها دليل على الضعف الحكومي أو أن الدولة غير قادرة على استيعاب الشباب، موضحا أن أعلى معدلات الانتحار في العالم في اليابان وسويسرا مع أن هذه الدول متقدمة وتهتم بالفرد نفسيا وماديًا.
وأوضح «الخشاب» أن مواقع التواصل الاجتماعي تتناول ظاهرة الانتحار على أنها بسبب أن المواطن مظلوم فيصاب بالاكتئاب الذي يدفعه لإنهاء حياته، وهنا يتم تناول الأمر من زاوية سياسية خاطئة ومخالفة للواقع، كما أن نشر مواد عبر الصحف والتليفزيون عن حالات انتحار وشديدة الدموية تؤثر في وعي المواطن فلم يكن في السابق يتخيل حدوث مثل هذه الوقائع، مثلا قصة ريا وسكينة كانت في خيالنا على أنها أسطورة نظرا لتعجبنا المتكرر حول كيفية اختطاف النساء وسرقة ذهبهن ثم قتلهن، بينما الآن نرى ونسمع بصفة يومية حوادث اغتصاب وإراقة دماء تكاد تكون أصبحت مألوفة بين الناس على الرغم من فظاعتها الشديدة، ولكن الثابت هنا أن النفس الضعيفة هى التي تنساق وراء الشيطان وترتكب جميع الوقائع التي ينفر منها كل إنسان سوف يمتلك نفسا قوية تمنعه من الوقوع في الخطأ أو المعاصي، وليس للأمر علاقة بالغنى أو الفقر.
ومن جانبه قال اللواء علاء عبدالمجيد مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن الفترة الأخيرة شهدت ازدياد جرائم العنف والقتل والانتحار خاصة بين الأطفال والمراهقين من الشباب والفتيات، مما يستوجب الانتباه للمشكلة والتصدي لها بشكل حازم وسريع، وتعد الألعاب الإلكترونية التي اعتاد عليها الأطفال المراهقون من الجنسين خاصة التي تحض على العنف والقتل، إدمانًا له أكبر الأثر على سلوك مدمنيها ويعزله عن بيئته ومجتمعه ويؤثر بالسلب في طريقة تعامله مع المحيطين به لتكون أكبر نتائجه إصابته بالخلل النفسي.
وأضاف «عبدالمجيد» أن الارتباط بالألعاب الإلكترونية تتحول إلى إدمان يصعب تركه بسهولة وهناك نوع من الألعاب الإلكترونية يسبب توتر وهلع للاعبيها خاصة أنه قد تدفعه لقتل شخص آخر لينجو هو في النهاية.
وشدد «عبدالمجيد» علي ضروره مواجهة ذلك بحزمة من التدابر نبدأها بتنظيم محاضرة توعوية تتركز حول مخاطر الإدمان الإلكتروني والاستعانة بالاختصاصيين والاخصائيين النفسيين يجب ان يتعاملوا مع هذه الظواهر الإجرامية بحرفية مع البدء بالتدرج حتى نصل إلى الهدف المطلوب، وجب ان يمتد التواصل النفسي إلى الأسر وأولياء الأمور لمتابعة باقي الخطوات حتى يتخلص أبناؤهم من المشكلة وأن يمتد دور الأسرة بالرقابة على الأبناء في المؤسسات والمراحل التعليمية التي يجب ان تتحمل ايضا مسئوليات الحد من انتشار الظاهرة، ويجب أن تكون هناك قوانين رادعة للحد من هذه الألعاب التي تؤدي إلى التنمر والعنف واستبدالها بألعاب مفيدة، وكان النائب العام المصري أصدر القرار في شهر أبريل ٢٠١٨ بحجب مواقع الألعاب الإلكترونية الخطيرة على الأطفال وهي ذات خطورة لكونها تستهدف صغار السن ويترتب على اتباع تعليماتها ومراحلها الإيذاء الشخصي النفسي أو إيذاء ذويه مما قد يصل احيانا للانتحار وارتكاب جرائم القتل وهو ما يهدد الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد.
بينما قال الدكتور أحمد فخري، أستاذ علم النفس ورئيس قسم العلوم الإنسانية جامعة عين شمس، إن المسخ الثقافي وانهيار القيم الأخلاقية والسلوكية هى السبب وراء تعدد هذه الظواهر السلبية فأصبحنا نرى الأخ يقتل أخاه بدم بارد والجيران لا يطيقون بعضهم البعض وكل ذلك بسبب الانحدار السلوكي والبعد عن الثوابت الدينية واكتساب ثقافات دخيلة على المجتمع، ولذلك القادم أسوأ إذا لم نلتفت لهذا الأمر مع وضع حلول جذرية لتنمية العلاقات الاجتماعية وبث روح العادات والقومية فيها من جديد، كما يتحتم الانتباه لما يتم عرضه من خلال الأفلام والمسلسلات التي تلعب دورا بالغ الأهمية في تكوين سلوكيات الفرد، ويتبقى دور الأب والأم في تربية أبنائهم هو الأمر الأهم الذي بدونه لن يستقيم حالنا.