محددات الرؤية المصرية لفرض الأمن والاستقرار السياسى فى بلدى المشرق والمغرب العربى المأزومين العراق وليبيا بدت حائزة على توافق غالبية المجتمعين في كل من مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، واجتماع الجزائر لوزراء خارجية دول جوار ليبيا.
مؤتمران هامان شهدهما هذا الأسبوع لدعم مؤسسات الدولة الوطنية في كل من العراق وليبيا لا يمكن قراءتهما فى سياق منفصل؛ فكلاهما اجتمعا على هدف واحد وهو إيجاد فرص حقيقية للسلام.
ورغم ما قد يبدو من اختلاف في أوضاع البلدين من حيث أسباب وطبيعة الصراع الدائر داخلهما، إلا أن السبب الرئيس للانقسام السياسى الداخلى، وانتشار الفوضى وجماعات العنف المسلحة والتنظيمات الإرهابية يبقى واحدًا وهو التدخلات الأجنبية فى شئون البلدين (العراق وليبيا) بشتى الصور السياسية والعسكرية، وتعرضهما لاعتداءات خارجية، وعمليات ممنهجة لسلب ونهب ثرواتهما.
الرؤية المصرية لحل الأزمة فى كلا البلدين تأسست على قاعدة دعم ومساندة مؤسسات الدولة الوطنية بداية بالجيش والأجهزة الأمنية، وصولًا إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقانونية على أن ترسيخ هذه القاعدة يستحيل دون وقف التدخلات الخارجية في شئون البلدين وتمكين شعبيهما من خياراتهم، ووقف الاعتداءات العسكرية ودعم المليشيات والجماعات الإرهابية، وخروج كافة القوات الأجنبية وجلاء قواعدها العسكرية وفى الحالة الليبية يضاف إلى القوات الأجنبية جحافل المرتزقة الذين جلبتهم تركيا.
البيان الختامى لمؤتمر بغداد للتعاون والشراكة أكد على ضرورة الالتزام بمحددات الرؤية المصرية التى وردت فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى بتوافق الدول المشاركة (مصر-السعودية-الإمارات-الكويت-قطر-إيران-الأردن-تركيا) إضافة إلى فرنسا.
الأمر ذاته تكرر في اجتماع الجزائر التشاورى لدول جوار ليبيا حيث توافقت كلمات ممثلى الدول والهيئات الأممية والإقليمية المشاركين مع ما ورد فى كلمة وزير خارجية مصر سامح شكرى حيث أكد الجميع على ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب كشرط أساسى لعودة الاستقرار وخلق بيئة ملائمة لعمل مصالحة وطنية ووقف الانقسامات السياسية.
بعض المراقبين اعتبروا اجتماع الجزائر بداية جادة لتوافق مصرى جزائرى حول سبل حل الأزمة الليبية وهو ما لم يكن ظاهرًا على السطح فى فترات سابقة، غير أن الاجتماع يعكس أيضًا مخاوف دول الجوار الليبى من أن تتحول الدولة شاسعة المساحة والتى تقدر بـ ١.٧ مليون كم٢ إلى مركز لتجمع الإرهابيين بسبب نشاط عدة تنظيمات إسلاموية إرهابية وعلى رأسها داعش والقاعدة في غرب وجنوب ليبيا تحت رعاية تنظيم الإخوان بخلاف الميليشيات المسلحة التى دمرت مدن الغرب الليبى بتقاتلها المتواصل، والذى كان آخر مشاهده فى مدينة الزاوية.
تونس الجزائر تشاد مالى السودان الدول التى تربطها حدود شاسعة مع ليبيا أدركت الآن ما كانت تحذر منه مصر طوال السنوات الماضية وأنه قد حان الوقت لكى تتدخل لمساعدة الأطراف الليبية الراغبة فى السلام على إنجاز خارطة الطريق التى توصلت إليها لجنة الحوار السياسى، خاصة وأن استمرار التدخلات الأجنبية وتواجد القوات التركية والمرتزقة السوريين يحول دون إتمام أى اتفاق سياسى أو عسكرى متكامل.
قبيل اجتماع الجزائر أرسل الرافضون لمساعى السلام رسالة استباقية تجسدت فى عبوة ناسفة اكتشفتها القوة المشتركة فى أحد صمامات الهواء في النهر الصناعى جنوب منطقة الشويرف وهى أيضًا محاولة لعرقلة جهود لجنة ٥+٥ العسكرية التى نجحت فى تشكيل القوة المشتركة من لواء طارق بن زياد التابع للجيش الوطنى الليبى والكتيبة ١٦٦ التابعة لما تسمى بقوات بركان الغضب فى مصراته وهو أول إنجاز اعتبر بداية لمسار توحيد المؤسسة العسكرية.
وإذا كانت ليبيا بكامل مساحتها تشكل عمق الأمن القومى المصرى، فإن عودة العراق للعراقيين يشكل ركيزة الاستقرار الذى يحول دون اشتعال حرب إقليمية ستنال نيرانها من مصر إن اشتعلت لذلك عملت الدولة المصرية على استعادة العراق للحضن العربى وكانت البداية بمحور الشام الجديد الذى يربط بغداد وعمان والقاهرة بشراكات اقتصادية وصناعية وأنابيب بترول وشبكات كهرباء.
الرد كان سريعًا ممن يصرون على اختطاف العراق حيث شهدت شبكات الكهرباء وحقول النفط في البصرة المخطط مد أنابيبها عبر الأردن إلى ميناء نويبع المصرى عدة تفجيرات إرهابية.
جاء مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة ليجمع جيران العراق وأصدقائه وبينهم فرقاء على مائدة واحدة تقدم فرصة جادة وحقيقية لسلام الجميع؛ فاستمرار الصراع لن يكون فى مصلحة أحد، خاصة الذين يسعون لتمزيق العراق.
المؤتمر محاولة لمد جسور التعاون والشراكة بين جميع الأطراف المشاركة وغيرهم للاستثمار فى بناء عراق قوى مستقل لذلك هو يشكل فرصة بالنسبة لإيران وتركيا للتخلى عن سياساتهم الحالية التى لم يعد فى قوص الصبر منزع لها لدى الجميع ويمكن القول أنه محاولة هادئة لتخليص العراق من الهيمنة الإيرانية من ناحية ووضع حد للاعتداءات التركية على أراضيه من ناحية أخرى لذلك الكرة الآن فى ملعب طهران وأنقرة وبحسب استجابتهما سيتحدد مصير السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط؛ وفى كل الأحوال لن تسمح مصر ومعها دول الخليج أن يتحول العراق إلى يمن جديد يهدد جيرانه بالصورايخ الباليستية والطائرات المسيرة، أو حتى استمراره غارقًا فى فوضى المليشيات تمامًا كما أن دول جوار ليبيا ومعهم الأمم المتحدة والاتحاد الافريقى والجامعة العربية لن يسمحوا باستمرار تواجد القوات التركية المحتلة وجحافل المرتزقة.