ترك الشاعر الكبير عبدالرحمن الجامي، تراثا شعريا ونثريا مليئا بالجمال والقيم الروحانية الصوفية الراقية.
“الجامي”، الذي تحل ذكرى ميلاده، كان قد ولد في خراسان العام 817 هجرية، وتوفي في هراة العام 898 هجرية، وهو من كبار الشعراء، تمتع بالذكاء الواسع، درس المنطق والبلاغة والكلام والتفسير والفقه والأصول وبعض علوم الطبيعة، وعمل بالتدريس، اشتهر بالزهد والتصوف، وترك مؤلفات شعرية ونثرية كثيرة منها: لوامع العشق ولوائح الحق، يوسف وزليخا، ليلى والمجنون، تحفة الأحرار، وغيرها.
في كتابه "لوائح الحق ولوامع العشق" الذي صدر عن المركز القومي للترجمة، من ترجمة وتقديم محمد علاء الدين منصور، نقرأ له مناجاة يقول فيها:
"إلهي إلهي خلصنا عن الاشتغال بالملاهي، وأرنا حقائق الأشياء كما هي، أزل عن بصر بصائرنا غشاوة الغفلة، وأرنا الأشياء على حقيقتها، ولا تظهر لنا العدم بصورة الوجود، ولا تحجب عنا بالعدم جمال الوجود، واجعل هذه الصورة الخيالية مرآة لتجليات جمالك لا علة للاحتجاب والابتعاد عنك، وحوَّل هذه النقوش الوهمية أساسًا لعلمنا وبصرنا بك لا آلة لجهالتنا وعمانا عنك، حرماننا وهجراننا كله منا فلا تدعنا إلى أنفسنا، وتكرم بتخليصنا من أنفسنا، وتفضل بتعريفنا إليك.
يا رب امنحني قلبا طاهرا وروحا عليمة
هبنى آهات الليل وبكاء السحر
واجعلني أفني عن ذاتي في طريقي أولا
ثم عرفني إلى ذاتي وأنا فانٍ عنها
كما نقرأ له قطعة نثرية غاية في الجمال عن العشق من مؤلفه "يوسف وزليخا" يقول:
"القلب الخالي من ألم العشق ليس بقلب، والجسم الخالي من ألم العشق ليس إلاَّ ماءَّ وطينا، فأشح بوجهك عن العالم ولا تفكر إلاَّ في العشق، فدوران الفلك إنما هو من أجل العشق فكن أسير العشق لتصير حرا، وقاسِ من أحزانه في صدرك لتحظى بالسرور، ولا تشح بوجهك عن العشق ولو كان العشق المجازي لأنه الطريق إلى العشق الحقيقي.
وكيف تتيسر لك قراءة القرآن إذا لم تكن قد طالعت أولاَّ الحروف الأبجدية في اللوح؟ سمعت أن مريدا طلب من شيخه العون في إرشاده فقال له الشيخ: إذا لم تكن قد نقلت الخطو في طريق العشق فاذهب وأحبّ ثم عد إلينا، إذ بدون كأس خمرة الصورة لن يستطيع امرؤ تذوق جرع المعنى، ولكن لا تمكث طويلاً أمام الصورة واعبر سريعا ذلك الجسر إذا أردت أن تسرع بوضع رحلك في منزل الوصول".