بحسب تقرير حديث للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن نسبة الفقر في مصر انخفضت من 32.5% العام الماضي إلى 29.7% هذا العام بانخفاض أقل من 3% تقريبا وهو أمر ربما يتناسب مع معدل النمو الذي شهدته مصر العام الماضي بعد أن شهد انخفاضا عن المعدل المتوقع له بسبب جائحة الكورونا وكانت نسبة النمو تقريبا أقل من 3%.
ولا شك أن انخفاض نسبة الفقر هو أمر طيب، ولكن الرقم لا يزال مخيفًا، وبحاجة إلى المزيد من الإجراءات لاحتواء هذه النسبة الكبيرة التي تعني أن نحو ثلث سكان مصر، الذين يتجاوز عددهم 30 مليون مواطن ما زالوا يعانون تحت خط الفقر.
وربما تأتي هنا أهمية مبادرة تنمية الريف المصري، المعروفة باسم "حياة كريمة"؛ لأنها يمكن أن توفر الكثير من الخدمات التي تخفف الأعباء عن أهالينا الفقراء في ريف مصر، وهو الريف الذي تعيش فيه الأغلبية الغالبة من فقراء بلادي.
ورغم أن نسبة الفقر في مصر بشكل عام قد شهدت انخفاضًا عما كانت عليه في العقود القليلة الماضية، إلا أن النسبة ما زالت مقلقة، وتحتاج إلى مزيد من الحلول لمعالجتها، والتخفيف من وطأتها على ثلث سكان الشعب المصري، نظرًا لما يترتب عليها من مشاكل اجتماعية وثقافية وأخلاقية خطيرة.
وربما هذا يقودنا إلى ضرورة تأجيل رفع الدعم عن الغذاء خاصة رغيف الخبز للمواطن المصري في المناطق التي تعاني نسبة عالية من الفقر سواء في الأحياء الشعبية أو في الريف المصري أو بحسب تقديرات المستوى الاجتماعي بحسب المرتبات المرتفعة أو لمن يملك سيارة فارهة، أو حيازة عدد معين الأفدنة الزراعية وغيرها من الإجراءات التي تقوم بها الوزارة للتعرف على مستحقي الدعم.
كما يجب أن يتم دراسة أمر الوجبات المدرسية بما لا يؤدي إلى إهدار الملايين دون عائد يذكر، خاصة في ظل عدم انتظام طلاب النقل في المدارس، في ظل جائحة كورونا، وامتناع طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية عن الذهاب تماما للمدارس في هذين العامين، وهو ما سيؤدي إلى إهدار الملايين من الوجبات يوميا التي ستذهب إلى العاملين للمتاجرة بها، وربما يكون من الأفضل أن يتم تأجيل هذا الأمر لمدة عام على الأقل حتى تنكشف غمة الجائحة، ونجد لها علاجا، ونعمم لها لقاحا للكبار والصغار.
رأيي أن مسببات الفقر الأولى في مصر تتركز في النفقات التي يبذلها المواطن في التعليم والصحة بشكل رئيسي، فأما عن التعليم فما زالت الدروس الخصوصية تستهلك الجانب الأكبر من دخول الأسر، فضلا عن رسوم الجامعات الخاصة التي أفقرت مئات بل آلاف الأسر، بسبب رسومها الباهظة، بعد أن توقفت الدولة عن التوسع في افتتاح الجامعات الحكومية، وأصبح الالتحاق بها في بعض الكليات العملية يتطلب مجاميع "فوق السوبر"! مما يضطر أولياء الأمور للدخول في دوامة القروض و"الجمعيات" للتغلب علي مصروفات الجامعات الخاصة التي استغلت حاجة الناس وأصبحت تمثل "بيزنس " سهل وسريع وعديم المخاطر.
أما عن الصحة، فرغم النجاحات التي شهدتها البلاد مؤخرا -خاصة فيما يخص القضاء على "فيروس سي" - فما زال البحث عن سرير لمريض من الأمراض الخطرة يمثل معضلة لكثير من المرضى الذين لا يملكون مصروفات المستشفيات الخاصة الباهظة، كما أن منظومة العلاج في المستشفيات الحكومية أو حتى الجامعية، حاليا بحاجة إلى دعم، وإعادة تنظيم، وإتاحة رواتب جيدة للأطباء حتى يتمكنوا من أداء رسالتهم، وتشجيعهم على الإجادة والعمل بمقابل عادل ومراعاة ظروفهم الاجتماعية، وحتى لا يكون الهم الأول للطبيب هو عيادته الخاصة على حساب عمله بالمستشفى الحكومي الذي يعمل به على مضض.
نحن بحاجة أيضًا إلى نشر مصانع ومراكز للعمل في مختلف القرى، وأنحاء الريف المصري، حتي نتمكن من توفير وسيلة لتقليل البطالة ، التي يعتبرها العالم "أم الكبائر"، فالعاطل عن العمل سيضطر إلى اكتساب قوته بشكل مخالف للقانون، أو يعتدي على ممتلكات الغير، كما أنه لن يكون قادرا على أن يكون عضوا نافعا في المجتمع بهذا يمكننا أن نقلص من حدة الفقر، الذي يعرقل مسيرة تنمية المجتمع، وتصبح بالفعل حياة أهلنا كريمة!