في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها، نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.
63 – عروة بن أذينة
"إن التي زَعمت فؤادك ملّها
خُلقت هواك كما خُلقت هوى لها "
منذ مطلع قصيدة عروة، وعبر أبياتها جميعا، مزيج ممتع من الرقة والعذوبة والصدق، ويقترن ذلك كله ببساطة خلابة قوامها بناء عفوي مردود إلى توهج الرؤية وعمق التجربة. الارتباط حتمي قدري لا مهرب منه، ومفردة مثل "الملل"، حتى عندما تأتي على سبيل الزعم والادعاء، لا موضع لها في قصة حب أقرب إلى الأساطير.
البناء القصصي في قصيدة عروة القصيرة بمثابة البرهان على ريادته وتفرده، وهو ما ينعكس بالضروة على لغة لا تقعر فيها أو تنطع. لغة كهذه لا تطل إلا في التجارب الشعرية والإنسانية الصادقة، حيث الانشغال بالحالة دون اهتمام بلعنة الصناعة والتصنع وتسول الصدق.
قبل قرون من اختراع السينما، يبدع الشاعر القديم عظيم الموهبة، ابن القرن الثاني الهجري، في تقديم مشهد خلاب يحمل الكثير من روائح الفن السابع وإيقاعاته، مسلحا بالمتاح له من أدوات وإمكانات: السيناريو المحكم، الحوار المكثف، الوصف البعيد عن الثرثرة والتكرار، الحركة المحسوبة في دقة بلا ترهل.
فقيه محدث ورع يكتب على هذا النحو؟ لا غرابة تثير الدهشة، والمنطق السوي ينفي التنافض الوهمي بين الدين والدنيا، ويحول دون الصدام بينهما.
ثقافة
مائة بيت من الشعر العربي القديم.. عروة بن أذينة "63"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق