فيديو متداول يظهر عناصر طالبان تقوم بعملية إعدام قادة أفغان بدم بارد!
رئيس تحرير "فوربس": انسحاب قواتنا غير أخلاقي.. وأمريكا تكرر سيناريو فيتنام
باحث في كارنيجي: طالبان استغلت تراجع الإدارة لفرض نموذج راديكالي للحكم
حالة من الرعب رافقت نشر شبكة "سي إن إن" مساء أمس فيديو يظهر مسلحين ملتحين قريبي الشبه من حركة طالبان، وهم يقومون بتنفيذ عملية إعدام جماعي رميًا بالرصاص لـ22 من عناصر القوات الخاصة الأفغانية، نفدت ذخيرتهم بعد ساعتين من مواجهة حركة طالبان، بعد أيام من انسحاب القوات الأمريكية من البلاد وانتشار عناصر طالبان لاحتلال مزيد من المناطق، وحالات الفرار الجماعي للسكان، حسبما أشار مراقبون وشهود عيان للمحطة من محيط منطقة دولت آباد التابعة لمقاطعة فارياب قريبا من الحدود الأفغانية التركمانستية.
وفيما حاول الناطق باسم حركة طالبان نفي صحة الفيديو، والتأكيد على نسبته لتنظيم داعش الإرهابي في مناطق سيطرتهم، مشيرًا إلى ان القوات المعتقلة لدى طالبان لم يتم تقرير مصيرها بعد، فإن وزارة الدفاع الأفغانية أكدت مقتل تلك القوات من رهائن طالبان، مشيرة للحاجة لدعم كبير لمواجهة تلك الحركة التي تتسم بالعنف والانتشار اللامحدود.
وقال شهود عيان إن صيحات الله أكبر كانت محيطة بعملية إعدام القادة الأفغان المستسلمين تماما بعد فراغ ذخيرتهم، وأن لغة منفذي عملية القتل لم تكن البشتون السائدة في أفغانستان، وإنما كانت أجنبية وبالتالي لم يفهم المحيطون الكثير من أحاديثهم!! وقد تم القتل بدم بارد وأطلق المتمردون أعيرة نارية كثيفة على العناصر الأمنية وأردوهم قتلى وسط ساحة المدينة.
واعتبر الصليب الأحمر ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" أن جرائم الحرب تلك هي الوصمة المتوقعة من حركة زعمت احترامها حقوق الإنسان، وهذا المسلسل سيكون ما بعده الكثير!
الثمن الفادح للانسحاب
قال ستيف فوربس المدير التنفيذي ورئيس تحرير مجلة "فوربس" المالية العريقة، إن قرار الرئيس بايدن بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان يحمل أبعادًا كارثية محتملة، مشيرًا إلى أن التمادي في القرار الذي سبقت إدارة ترامب وطرحته بسحب القوات، قد أصاب الشارع الأمريكي بإحباط بالغ، مشيرا للأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها بلاده في العراق وأفغانستان، وأن قرار الانسحاب المفاجئ يفاقم من تلك التداعيات التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر.
لم ينس الأمريكيون أن طالبان هي الحركة التي شكلت الملاذ الآمن والدعم المؤدي لهجمات سبتمبر التي أودت بحياة مئات الأمريكيين.
ويتبنى فوربس الرأي القائل بأنه بعد تضحيات كبيرة تنعم العراق الآن بالتهدئة النسبية مقارنة بما كانت عليه مع استراتيجية أمريكا تجاهها في 2007، ويعتقد فوربس أن قرار أوباما بالانسحاب من العراق في 2012 كان متهورا لأنه خلق فراغًا استغلته جماعات داعش الراديكالية المتعطشة للدماء في العراق لصالحها، وهو ما كلف أمريكا لإعادة ضخ قوات جديدة لجعل تلك الجماعات تتقهقر من جديد، في سوريا والعراق على حد سواء.
والآن أصبحت طالبان على المسار الذي يدعم عملياتها الآن في أفغانستان وخارجها بقرار بايدن سحب القوات الأمريكية، وقد أخذت في اغتنام المزيد من الأراضي الأفغانية تحت هيمنتها بما فيها العاصمة كابول، وينتظر أن تسقط قريبا في أيديهم!
من جهة أخرى- يحذر رئيس تحرير فوربس- من أن أمريكا لن يكون لديها أي فرص حقيقية لصد هجمات طالبان ضدها عبر سلاح الجو كما ألمح بايدن في كلمته، فمن الهام أن تكون هناك قواعد واقعية على الأرض تشمل العناصر الاستخباراتية والأمنية المختلفة لمعرفة عمق الخطر الذي تخطط له طالبان،وهو ما لم يعد متاحا لأمريكا في أفغانستان ودول الجوار منها، وأقرب قاعدة ستكون في الخليج العربي على بعد مئات الأميال.
يرى "فوربس" أن الانسحاب السريع قد شكل هلعًا لدى الحكومة الأفغانية في مواجهة طالبان، وأفقدها قدرتها على الاستعداد للمرحلة الجديدة، فقد شمل الانسحاب كافة القوات الأمريكية بما فيها الكوادر الفنية والتكنولوجية التي كانت تقوم بمهمة تسيير العمليات الجوية الأفغانية، ولهذا فإن الانسحاب يشكل عملا "غير أخلاقي" و"مخز" تمامًا.
إن قطاعات عديدة باتت مستهدفة في المجتمع الأفغاني حاليا، من قبل حركة طالبان، وعلى رأسهم أولئك المترجمون الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية، هم وعائلاتهم مستهدفون للموت حاليًا، وهذا الحرمان الشنيع السريع من التواجد الأمريكي يشكل تحذيرا مروعا قاسيا يذكرنا بالمصير المشؤوم للحرب في فيتنام.
ويعتبر "فوربس" أن ما جرى حماقة مهلكة لأمريكا، ووعودا فارغة للعراق وأفغانستان بتحويلها لدول ديمقراطية، وتكبيد أمريكا موارد هائلة، وخسائر غير مبررة بين القوات الأمريكية، بدلًا من وضع التطرف العنيف في مرمى الخطط الأمريكية للقضاء عليه بطرق ناجعة؛ على غرار ما تقوم به القوات الأمريكية في قاعدة كوريا الجنوبية لردع الجارة الشمالية، منذ خمسينات القرن الماضي.
ضعف الحكم وصعود طالبان
من المعروف أن التحالف الدولي في أفغانستان، يواجه تحديات كبيرة لمواجهة حركة طالبان، وفي القلب منها غياب الفهم العميق لطبيعة الإرهاب الذي تقوده تلك الجماعة، والمختلف عن النظام العشائري في البلاد، والقائم على إقامة الشريعة الإسلامية أساسا للحكم والهيمنة على الولايات وفرض الوصاية وجمع الضرائب من المواطنين الأفغان.
وبحسب تحليل الباحث جيل درنسورو والمنشور عبر الويب لمعهد "كارنيجي" بعنوان "استراتيجية طالبان الرابحة في أفغانستان"، فإن طالبان الموالية للقاعدة موجهة بالأساس لمناهضة الحكم القبلي، استنادا لدعاية واسعة وشبكة استخبارات تتمتع بالكفاءة، ويظفر قادتهم بحكم مستقل في مناطق هيمنتهم، يمكنهم من التحرك بمرونة وتقوية الحركة، معتمدين على ضعف الإدارة الحاكمة، وقد استطاعت طالبان أن تحرز أهدافها في في الجنوب الشرقي من البلاد وجعله معزولا، مهمشين الحكومة الأفغانية هناك، ومؤسسين لحكم مواز، قائم على فكرة فرض الشريعة بمنظور راديكالي متشدد، وقد استطاعت الحركة استقدام عناصر كثيرة من مجتمعات خارجة عن العرق السائد البشتون لفرض هيمنتها.
ولهذا فإن أي تحالف دولي لمواجهة طالبان لابد أن يسيطر على هلمند وقندهار جنوبا، وصولا لكابول العاصمة، وتعزيز التواجد هناك بكل أسباب الدعم اللوجستي والعسكري، ويرجح معهد كارنيجي أن الاعتماد على الحكومة المحلية لإحراز هذا الهدف يستلزم وقتا لا يمكن التنبؤ بمداه.