أي كلام عاطفي عن سد النهضة، هو كلام خارج سياق الأزمة، فالموضوع لا يمكن التعامل معه وفق منطق أن مصر أم الدنيا قد هانت حتى إن دولة مثل إثيوبيا راوغت في قضية سد النهضة لمدة عشر سنوات من التفاوض العقيم.
أم الدنيا لم تهن في مواجهة دولة منابع النيل، ولكن ما حدث حسبما كشفت مناقشات مجلس الأمن هو أننا نواجه مجتمعا دوليا يجب أن يهتم القضية أكثر وأكثر، فلا يجوز التضحية بـ١٥٠ مليون إنسان مقابل استمرار دوران نهج الاستعمار والسرقة والنهب المنظم، وقد شاهدنا ذلك بوضوح في الموقف الصيني سارق مياه أنهار فيتنام، وشاهدنا ذلك في الموقف الروسي الباحث بدأب عن موقع قدم عسكري له في مياه البحر المتوسط أو البحر الأحمر.
لذلك لا يمكن اختزال الأزمة في دولة اسمها إثيوبيا، فهذا تقزيم للملف الذي هو متخم بالصراعات والتحالفات والصفقات.
بهذه الرؤية نلتفت إلى الداخل المصري ونقول.. ها هي ساعة الحقيقة.
ومع الحقيقة تتجلى مخارج الأزمة التي تصب كلها في الاتجاه للداخل المصري، لأننا أمام قضية امتازت بالإجماع العام، تذوب فيها الخلافات ما بين مؤيد ومعارض، الجميع قلق على كوب الماء، هذه الوحدة النادرة تتطلب فتح المجال العام للتعبير عن المخاوف، إطلاق طاقات القيادات الطبيعية في مختلف المواقع المهنية والمناطقية بهدف الإعلان الواضح أمام العالم بأن لسان سامح شكري وزير خارجيتنا هو لساننا جميعا، وأن متخذ القرار يتحرك معتمدا على حشود حقيقية لها حقوق مشروعة وهو المكلف منها بحماية هذه الحقوق.
لا توجد فرصة في هذا الملف للتردد أو الرهان على دعم خارجي ليفك أسر مياه النيل، أن نقوم بإثبات الحالة في المجتمع الدولي ليكون شاهدا على الجريمة الإثيوبية فهذا واجب، ولكن وبموازاة هذه الشهادة عيوننا مفتوحة على الداخل الأثيوبي وأعتقد أن هذا حادث بالفعل، صداقتنا للشعب الأثيوبي ستظل طالما النيل يجري، وهذا ما يجب الإصرار عليه، الشعب الأثيوبي ضحية لنظام حاكم غشيم، وما توليد الكهرباء إلا أكذوبة يلوكها صاحب نوبل المشبوهة.
ما نواجهه في جوهره هو اختبار عالمي لتأسيس بورصة مياه لتكون مصر أول ضحاياها، لو فلت الأثيوبي بها لصارت قاعدة يعمل وفقها همج المجتمع الدولي، ولو نجحنا في كسر هذه الأزمة فإننا لا ننقذ الشعبين المصري والسوداني فقط ولكننا ننقذ البشرية من مصير مظلم يلعب فيه الدولار دور الإله المانح للحياة.
ولعلنا قد تابعنا قبل أيام شراء الأردن حصة ماء من إسرائيل - لا تتعجب عزيزي القارئ - هذا حدث بالفعل وهناك محاولات مستميتة من أجل إقرار هذا الواقع البائس.
ما أكتبه ليس جديدا في دوائر اتخاذ القرار في مصر معروف بل ولديهم ما يزيد، لذلك ورغم أن توتر الشارع مشروع إلا أن الثقة في من يتعاملون مع هذا الملف هي ثقة في محلها.
لقد أعلنت أم الدنيا بوضوح وأمام العالم وعلى لسان رئيس مصر أن حصة مياه مصر لن تمس، وأننا لسنا دعاة حرب ولكننا نموت دفاعا عن الحق الواضح، هذه عقيدتنا لذلك أنا متفائل.
آراء حرة
عن سد النهضة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق