جاء إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، ليطلق إشارة بدء مرحلة جديدة من مراحل الصراع المستمر على أرض هذا البلد الآسيوي، منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ففي الرابع عشر من شهر أبريل الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي بايدن، اتخاذه قرار بسحب قوات الجيش الأمريكي من الأراضي الأفغانية، والتي يبلغ قوامها نحو 17 ألف جندي، فضلا عن 7 آلاف من قوات حلف شمال الأطلسي، ناتو، الخاضع للنفوذ الأمريكي.
قرار بايدن يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية ستخلي عددا كبيرا من القواعد العسكرية الموجودة في الأراضي الأفغانية، منذ عقدين، ما يثير المخاوف من سيطرة حركة طالبان على هذه القواعد، خاصة أن المراقبين يرون الحركة الآن أقوى وقت مضى.
فرصة ذهبية
ويرى الأستاذ الدكتور أحمد النادي، عميد كلية الدراسات الآسيوية بجامعة الزقازيق، أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، في هذا التوقيت، ودون تنسيق مع القوى الدولية الأخرى، والسلطة الداخلية في كابول، يعد فرصة ذهبية لحركة طالبان، لتبتلع تلك الدولة، وتهيمن عليها كليا.
وأشار إلى أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، يتزامن مع تصاعد قوة طالبان، وامتلاكها زمام السيطرة على نحو 85% من مساحة الدولة، وهو ما يعني أنه لم يبق لها سوى إخلاء القوات الأمريكية، من المناطق الحيوية التي كانت متمركزة فيها، حتى أفغانستان، دولة طالبانية بامتياز.
ولفت النادي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، ربما تعول على الوجود القوي لها، في الدول المجاورة لأفغانستان، باستثناء الصين، وإيران، سواء استخباريا، أو من خلال القواعد التي تنشئها واشنطن في بلدان مثل: تركمانستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة التي تربطها بين وشنطن وحكومة باكستان في العاصمة إسلام أباد.
وقال: "هذا الوجود الأمريكي القوي في محيط أفغانستان، يبدو أنه السبب في قرار بايدن بالانسحاب منها، لأنه يتصور أن وجوده المكثف بالقرب من حدودها كفيل بمنحه القدرة على التدخل والردع في الوقت المنسب.
وحذر النادي من أن جميع المراقبين يتفقون على أن الجيش الأفغاني، ليس قادرا على مواجهة طالبان، خاصة أن التقارير تشير إلى أن ما أنفقته واشنطن لإحياء هذا الجيش، وقيمته نحو 90 مليار دولار، لم يجد نفعا.
ولفت النادي إلى أن سبب انسحاب واشنطن من أفغانستان، هو ذاته سبب تفوق طالبان في معركتها على الأراضي الأفغانية، موضحا: "الولايات المتحدة لم تعد قادرة على خسارة أي جنود في معاركها الخارجية، لذا تتجه إلى استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل: الطائرات المسيرة، وبالتالي ترى أن لا حاجة للبقاء عسكريا هناك، لأن هذه الطائرات وغيرها من وسائل القتال الحديثة، يمكن التحكم فيها عن بعد".
وأضاف: "أما سر تفوق طالبان، فهو أن الطريقة الجديدة التي تعتمدها واشنطن في معركتها ضد الحركة، لن تكون حاسمة، لأن جنود طالبان يجيدون التعامل مع هذه الوسائل التكنولوجية الحديثة، ويجيدون أيضا الاحتماء منها، لذلك فإن الفكرة الأمريكية هي ذاتها التي ستمكن طالبان من تحقيق نصر حاسم في معركة السيطرة على الدولة الأفغانية".
خلل إقليمي
بدوره يرى الدكتور فتحي العفيفي، أستاذ الفكر الاستراتيجي، بكلية الدراسات الآسيوية في جامعة الزقازيق، أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، سيؤدي إلى خلل إقليمي خطير، لصالح إيران، وتركيا، خاصة في ظل رغبة أثيرة لدى الدولتين في خطف أفغانستان، وضمها إلى معسكرهما.
وأوضح أن أنقرة سارعت إلى الإفصاح عن رغبتها في إبقاء قوات تابعة لها داخل أفغانستان، التي يتجاوز قوامها حاليا 500 جندي، وهو أمر مرشح للزيادة في المستقبل.
وأشار إلى تحذير طالبان لتركيا من البقاء في أفغانستان، ومطالبتها بالانسحاب أيضا، لا يمكن التعويل عليه، لأن طالبان ترتبط بعلاقات سرية مع أنقرة، ضمن القوى الإرهابية التي تحرص تركيا على التواصل معها، ما يعني أنه من الممكن التوصل إلى تفاهمات تغض مقابلها طالبان الطرف عن وجود تركيا، وهو ما يعني بالتالي سقوط أفغانستان في براثن المحور الإيراني التركي الخطير على أمن آسيا الوسطى والشرق الأوسط.
ولفت العفيفي إلى أن العرض التركي بالبقاء في أنقرة، يحظى برضا أمريكي، لأن واشنطن تريد أن تترك بديلا ولو مؤقتا، تعتمد عليه في السيطرة على ما ستتركه من أماكن استراتيجية داخل أفغانستان، حتى لا تتهم بالتخلي عن دورها في الحرب على الإرهاب، وحتى يسجل التاريخ أن سيطرة طالبان على أفغانستان، كانت في وجود قوة أخرى غير الولايات المتحدة الأمريكية.
محور تركي
الدكتور محمد عثمان عبد الجليل، أستاذ الدراسات الآسيوية، أيد التحليل السابق، مشيرا إلى أن تركيا تعمل على إنشاء محور تابع لها يبدأ من الشرق الأوسط في سوريا، مرورا بالتحالف مع إيران، ووصولا إلى وجود قوي في أفغانستان، على أن يكون هذا المحور مدعوم اقتصاديا، بالأموال والبترول الليبي.
وأشار إلى أن تركيا منذ تلقت من الولايات المتحدة إشارة انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان، وهي تعد العدة للقفز مكان هذه القوات، لذا تتداول حاليا معلومات عن أن أنقرة، تبرم عقود مع أعداد ضخمة من المرتزقة إلى أفغانستان، مقابل رواتب شهرية، كما تفعل حاليا في ليبيا.
شهود العيان أكدوا أن قادة في القوات التركية الموجودة بسوريا، يعقدون اجتماعات مكثفة، مع قادة المليشيات والفصائل الموالية لأنقرة، من أجل الاتفاق على إرسال أكثر من 3000 مرتزق إلى أفغانستان، كدفعة أولى، تحل محل الدفعة التي ستنسحب من القوات الأمريكية.