يطرح جناح الهيئة العامة لقصور الثقافة بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، طبعة شعبية من رواية «المحبوبات» للكاتبة العراقية عالية ممدوح، التى حصلت على جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأمريكية عن هذه الرواية عام2004، بينما وصلت روايتها «التناكي» للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية لعام 2020.
ويتجه مشروع النشر بقصور الثقافة، للاهتمام بالروايات العربية، التى لاقت نجاحا، ووصولا لقوائم قصيرة في الجوائز الأدبية الكبيرة، حيث نشرت في وقت سابق طبعة شعبية لرواية «النبيذة» للكاتبة العراقية إنعام كجه جي.
تدور أحداث الرواية حول سهيلة، الممثلة المسرحية المقيمة في باريس، والتى تتعرض لأزمة صحية ما يجعل الصديقات يرسلن لابنها الوحيد من أجل المجيء لها، وبهدف تحسن حالتها الصحية بمجرد شعورها بوجوده بجانبها.
في دراستها «لغة الوعى المؤنث»؛ وصفت الدكتورة مها فاروق الهنداوي، الباحثة بجامعة بغداد، لغة «سهيلة» الشخصية الرئيسة في رواية المحبوبات بـ«لغة الرفض» لنجاحها في تصوير لحظات الألم والإهانة بشيء من الثبات والمواجهة.
وقالت الباحثة في دراستها، إن رواية «المحبوبات»، في الواقع رواية عـن الـروابط الأنثوية التى تفعل فعلها المؤثر في بقاء الشخصية المركزية في الرواية «سهيلة» العراقية، على قيد الحياة، في منفاها الباريسي، وهى تعانى غيبوبة، سببتها لها جلطة دماغية صبيحة قصف العراق، من قبل قوات التحالف في حرب الخليج الأولى.
وتابعت: يتألف الجزء الأول من الرواية من عشرين فصلا قصيرا تكشف عن مواجهة نادر الابن الوحيد لسهيلة أصدقاء أمه في المستشفى عندما يجتمع الجميع خلال ساعات الزيارة حول سرير سهيلة نادر هو الأستاذ الجامعى المغترب في كندا والابن الذى يعانى فتورا في العلاقة مع أمه مع أنها من وجهة نظرة الرابط الوحيد الذى يربطه بهذا العالم لذا فقد حضر غلى باريس على عجل قلقًا مضطربا على أثر «ألا يميل» الذى تلقاه من صديقتها الحميمة «كارولين».
ومن الرفض إلى النفي، ففى مقالة له بعنوان «قراءة المنفى والذاكرة الحزينة في المحبوبات» يركز الكاتب حسن السلمان على فكرة الاغتراب والمنفي، حيث تبدأ الرواية بجملة «في المطارات نولد وإلى المطارات نعود»، فيقول: بهذه الكناية الإطارية عن الاغتراب، بوصفه نفيًا في أشمل معانيه.
وفى نفس الوقت، حركة عبثية في دائرة مفرغة من المعنى، تفتتح عالية ممدوح روايتها؛ لتتداعى مباشرة إرساليات الذاكرة الحزينة عبر صوت من أصوات المنفى الذى يعج بالشتات العراقي، ظاهرة جديدة على المجتمع العراقي، بعد أن كان المنفى ظاهرةً داخلية بحكم جملة من عوامل القمع والاستلاب الذى مورس ضد الشعب العراقى منذ أزمنة سحيقة.
ويضيف «السلمان»، أن المؤلفة يقع اختياراها على مغتربةٍ عراقيةٍ تدعى «سهيلة أحمد» كشخصية محورية لمرويتها، تدور في فلكها تشكيلة من المنفيات والمنفيين لتقديم تمثيلات السرد عن الواقع المرير الذى يعيشهُ المنفيون في فضاءات، تختلف كل الاختلاف عن فضاءاتهم الأصلية، لتبدأ سمفونية الاغتراب بعزف الحانها الجنائزية.
وتنفتح أبواب جديدة من الجحيم، بوجه كائنات لم تستطع التكيف مع القهر، والوجه البشع للسلطات الغاشمة، ليجد المنفى نفسه بين نارين، نار الوطن التى لا تزال عالقة في القلب والعقل معًا، ونار المنفى التى لا تحملُ بردا وسلاما: فلا يبعث الأحزان مصير مثل العيش في المنفى».
بدورها؛ تنتبه الكاتبة فاطمة المحسن، في مقالها «دفء العاطفة النسوية وذريعة الإعلان عنها» إلى فكرة «بعثرة الزمن» حيث تقول: تعيد المؤلفة ترتيب العرض في روايتها لتمضى في نهج بعثرة الزمن ودحض سببية التراتب في وحدات الرواية، عند هذا لا بد أن تكون لها حكاية حتى لو لم تقم على حبكة معينة، ولكنها تشكل العمود الفقرى للحكايات الأخرى التى تحف بها.
والحكاية هذه المرة مرض سهيلة البطلة الذى يشكل ذريعة لتعارف الأصدقاء. الأكثر أهمية من تلك التعارفات هو طريقة التقديم، أو العروض الجانبية للشخصيات، وكل شخصية توليها الذات المتكلمة أهمية خاصة، تمنحها عربون محبة تحدد على ضوئه صيغة العلاقة بها. من الصعب أن نفصل في هذا النوع من القص الذات المتكلمة عن الضمائر الأخرى التى تقدم عروضها، فصوت الابن «نادر» يكاد يتداخل مع صوت أمه في الكثير من المواقع، فهو لا يحمل نبرة تدلنا على هوية ذاته المتكلمة حتى حين يصف أفعاله الخاصة».
وفى «ذاكرة مدمنة على الألم» تشرح الكاتبة رولا حسن، أنه «عبر صوت من أصوات المنفى الواسع الذى يضج بالشتات العراقى تقول الروائية عبر شخصيتها المحورية المغتربة العراقية «سهيلة أحمد»، التى يدور في فلكها كوكبة من المنفيات على امتداد الوطن العربى يُمثِّلن «المحبوبات»، حيثُ تُقدِّم كلُّ منهن صورةً سردية للمنفى وفضاءً مختلفًا عن فضاءاتهم الأصلية.
عوالم أخرى انتقلوا إليها قسرًا كائنات لم تستطع التكيف مع القهر والديكتاتورية للسلطات الحاكمة، ليجدوا أنفسهم عالقين بين وطن بقى في القلب ومنفى لم يحمل لهم السكينة والهدوء التى فرُّوا من أجلها. حيث تسقط محبوبات عالية ممدوح في منطقة وسطى تقع ما بين الوطن والمنفى، منطقة لا تتواءم مع المكان الجديد، ولا هى متحررة من المكان القديم.
وعن تفتيت بؤرة السرد؛ تقول «حسن»: تفتت الروائية البؤرة المركزية للسرد إلى شذرات عبر لغة متماسكة تميل أحيانًا إلى الاستطراد، أو الاختزال، وتميل في أحايين كثيرة إلى الاستفاضة نظرًا لكثرة الخطوط السردية، لوفرة الرواة. ويتفق استخدام الروائية لتقنية التداعى لما تمَّ طرحه من عوالم المنفى وأجوائه المدمِّرة على الصعيد النفسي، والاجتماعي، وما تفرزه من تشظٍ واضطراب ومنزلقات فوق أرض لا تتَّسم بالثبات، ولا تسمح بتكوين وجود حقيقي، وإنما يخلق ذاكرة فريدة من حيث إدمانها البؤس والألم.