َالبعض يراهن على الحرب ينتظر أن تدق طبولها الْيَوْمَ قبل الغد، والعقلاء ينتظرون الحل وفارق كبير بين من يبحث عن الحلول وآخر لا يرى سوى طريق أوحد من بداية اشتعال الأزمة، وهناك فريق ثالث (حفنة المتربصين) الذين يبغونها خرابا وهؤلاء هم العدو فاحذرهم.
بعض العذر ألتمسه لدعاة الحرب الذين يريدون الثأر ممن يهدد حياتهم ووجودهم، وهى تهديدات لم يرَ هذا الجيل مثلها من قبل، لم يرَ مَن يناطح الدولة المصرية ذات الثقل التاريخي خاصة بعد أن استردت تأثيرها الدولى ونفوذها الإقليمى وأضحت القاهرة عاصمة صناعة القرار السياسي في المنطقة، فمن ذَا الذى يتوعد المصريين أو يناصبهم العداء وهم أصحاب حق عاشوا داعمين للمنطقة والإقليم لم يضبطهم التاريخ ذات مرة في حالة بغى أو اعتداء.
دوافع هؤلاء أنهم استشعروا كرامتهم وتحسسوا كبرياءهم الوطنى من قيادة وطنية ترفض ألا تتصدر القاهرة مكانها اللائق، وألا تحظى مصر بهيبتها كما لم يحدث من عقود، رأى هذا الفريق الداعى للحرب قوة مؤسسات الدولة ومكانة مصر الفاعلة التى انعكست في كل ملفات الإقليم، وقوة وتحديث الجيش المصرى، وبالتالي فإن هؤلاء تأكدوا أن بلدهم صاحبة قدرات شاملة ويد طولى، فلماذا لا تنتصر لقضية وطن عادلة وأصحاب حق يطرقون أبوابه الدبلوماسية دون تهديد بحرب أو إشعال المنطقة؟!
ما الذى يمنعنا من أن نأخذ حقنا بأنفسنا بعد ما أغلق الطرف الآخر أبواب الحوار والتفاوض بالمراوغة واللعب بسلاح الوقت لفرض أمر واقع، حتى ظن أنه صاحب الموقف الأقوى وأنه بذلك طوى أوراق القضية لصالحه؟!
ويغذى هذا الاتجاه الداعى للحرب قفزا على المعركة الدبلوماسية التى تدور رحاها على طاولات العواصم المختلفة من جنيف لجنوب أفريقيا ومن بكين وموسكو إلى باريس ونيويورك، ومن الاتحاد الأفريقى إلى الاتحاد الأوروبي إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن دون انتظار ما تسفر عنه (حفنة المتربصين)، فمجرد اللجوء للدوائر ذات الصِّلة من منظمات دولية وإقليمية ودول جوار يؤكد النوايا المصرية في الرغبة للوصول إلى توافق من خلال حلول سياسية وليس صراع عسكري، وهنا لا يستطيع أحد أن يفكر مجرد تفكير في اتهام القاهرة أنها تسعى لحسم الخلاف حربا، أو أنها تستقوى بقدراتها العسكرية المحدثة والمطورة، وأثبتت مصر أنها تعاملت بهدوء سياسى وصبر دبلوماسى أدهش الخصوم قبل الحلفاء، في وقت تحرض أصوات " المتربصين" الشارع على رفض مسار الدولة وكل خطواتها واستراتيجيتها في التعامل مع (الملف-الأزمة) بل وانتقاد كل إجراء تجاه حلحلة الموقف الإثيوبى.
هذه الفئة هى الأخطر على مصر فهى شوكة في الظهر تخرج للعلن مع كل تحدى تواجهه مصر يظهرون عكس ما يبطنون (تقية) وهو مبدأ شيعى التقطه الإخوان وأذيالهم منذ النشأة فإذا بمن يرتكب جريمة ليس إخوانيا وليس مسلما رغم أنه كادر تنظيمى عتيد!!
ولمن لا يدرك آليات تحرك الدولة وكيف يتعامل الرئيس السيسي مع (الملفات - الأزمة) أنه أولا لا يُؤْمِن بسياسة غض الطرف أو سياسات التأجيل أو المهادنة، ثقافته العسكرية والمعلوماتية تقوده لاقتحام المشكلات والأزمات وثانيا لا يعتقد كرئيس في المسكنات ولا يلجأ لحلول جزئية أو مؤقتة فهو يُؤْمِن بسياسات البتر والعمليات الجراحية التى تشفى السقم فلا يعود مرة أخرى، وثالثا يطرق كل أبواب الحلول دون عجلة من أمره ويتحمل في سبيل ذلك الكثير دون أن يتململ ودون ضجر، فهكذا يفعل القادة والزعماء الذين يجنبون شعوبهم المخاطر والتهديدات.
ليس هناك ما يدعو للقلق البالغ إزاء السد الإثيوبى هو تحد ليس فوق القدرة المصرية، ومصر التى ذهبت لمجلس الأمن تطرق الباب الدولى الأخير المعنى بحل الصراعات وإن كنّا لا نلق بكل أوراقنا للمجلس ولا نعوّل عليه وحده بمواءمات أعضائه ولكنه يظل مظلة دولية يجب اللجوء إليها لتعرض القاهرة أمام العالم كله موقفها ومواقفها ورحلة التفاوض وكيف تحطم أمل كل الوسطاء الأمريكان والأفارقة على صخرة التعنت الإثيوبى على مدى السنوات الماضية.
هذا هو رهاننا، ولنعلن للعالم كله أن الجمهورية الجديدة لم تعد تعرف "الخريف" ولا تعترف بأنه سيمر على القاهرة مرة أخرى، ولم يعد أحد فصول السنة حسب التوقيت والتقويم المصرى الجديد.