«حبيبتي.. هم يسافرون ونحن ننتظر.. هم يملكون المشانق.. ونحن نملك الأعناق.. هم يملكون اللآلئ ونحن نملك النمش والتواليل.. نزرع في الهجير ويأكلون في الظل».
الشاعر الطفل، الذى يمتلك من الكلمات مايسحر العقول، تظن أنه تخطى قول البشر، ولكنه يحوى بين كلماته عالما آخر، يهرب بك فيه، ما كان يحلم بأكثر من أن يصبح مزارعا في قريته، فتحول إلى أشهر الشعراء، وعمل بالصحافة، وقدم أشهر المسلسلات التليفزيونية، كان مبدعًا في كل ما قدمه، بدأ وحيدًا وانتهت حياته وحيدا، محمد الماغوط، شاعر وأديب سوري، يقول بدايتى مع الشعر غامضة وعقدة وغير طبيعية، ما كنت أعلم ما أكتبه شعرا أو نثرا، ولكن كان داخلى ما أريد أن أعبر عنه، فالأفريقي يعبر عما بداخله بالرقص، ولكل منا له طريقة في التعبير، الإنسان البدائى الذى كان يهرب من الوحوش، بالتشبث في فرع شجرة هو أكثر طمأنينة بالمستقبل من الشاعر العربي، وأنا ضد فكرة شعر قديم وحديث، الشعر شعر، لو كان قديما أو حديثا، أو أيًا كانت الطريق، ولكن الأهم هو الصدق في الشعر.
وواصل الماغوط: «العودة إلى الماضى لماذا نعود إليها في الكتابة؟ ونحن قادرون على الكتابة عن الحاضر، وتصوير ما يحدث الآن، لماذا استخدم مواقف من مئات السنوات، فما أشعر به الآن يختلف عن السابق، فلكل منا ظروفه، مثلا قديما هل القديم كان يعلم ما يحدث الآن في زمننا؟ بالطبع لا، ولذلك كل الطباع تتبدل لدى شخص في فترة قليلة أكثر من مرة، فأكتب عن هذا، وقتنا الحاضر يختلف كثيرًا، لن تقف على باب خليفة تمدحه، والشاعر يصنع بخمس مفردات ما يعجز عنه الجميع، كل حركة جديدة سياسية اقتصادية إبداعية، تحتاج لكتابة شعر، وأنهى الماغوط حديثه، ولدت مذعورًا، ورفضت الفقر، وكان لدى فكرة أننى في بعض الأوقات أقل من الكثيرين، وسأموت مذعورًا، وأتذكر أننى في مرة من المرات استدعانى أحد الأشخاص يهاجمنى بعد كتابتى قصيدة عن فلسطين، وذهبت له حافيًا كنوع من التمرد، لأننى لا أرى أن يتم تكبيليِ، ليجمع الماغوط في حياته بين الحزن في كتابته والسخرية في مواقفه.