قال الدكتور اسماعيل تركي، أستاذ العلوم السياسيه بجامعه القاهرة، إن أفغانستان تعيش حاليا أوقاتا عصيبة موضحا أنها عانت عقودا من الحروب والتدمير والمعاناة حتى قبل الاحتلال الأمريكي الغربي لها عام 2001، ويزيد من صعوبة وهشاشة الموقف في أفغانستان خطة انسحاب القوات الأمريكية منها وترك الساحة لصعود حركة طالبان والتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وغيرها لتتمدد مرة أخري.
وأضاف تركي في تصريحات خاصة للبوابة نيوز أن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان جزءًا من اتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان ويشترط بموجبه عودة الحركة المسلحة إلى مفاوضات السلام مع الحكومة الأفغانية، وينص على انسحاب الجيش الأمريكي بحلول منتصف 2021. وتابع أن طالبان تعهدت بعدم مهاجمة القوات الأمريكية ومنع مجموعات كالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية من التحرك انطلاقًا من افغانستان.
وكان مسئول في وزارة الدفاع الأمريكية قد أعلن الجمعة الماضية أن جميع قوات بلاده وقوات حلف شمال الأطلسي قد غادرت قاعدة باجرام الجوية، وهي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أفغانستان وأن القوات الأفغانية هي من ستتولي مهمة الدفاع عنها ضد مسلحي طالبان.
وتوالت ردود الفعل حول انسحاب القوات الأمريكية كان أولها وأسرعها من حركة طالبان التي وصفت إخلاء القاعدة بأنها "خطوة إيجابية" يمكن أن تساعد البلاد على تحقيق الاستقرار والسلام.
فيما كان رد الفعل الافغاني قلق ومتخوف من أن انسحاب القوات الأمريكية من القاعدة يعني أن القوات الأفغانية لن تتلقى بعد الآن دعما جويا حاسما في الوقت الذي تواجه فيه هجمات مكثفة من مسلحي طالبان في أنحاء البلاد.
وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الانسحاب يتم كما هو متوقع وسيتم استكمال انسحاب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر المقبل. كما أعلن حلف الناتو سحب قواته المشاركة في مهمة "الدعم الحازم" في البلاد بحلول نفس الموعد. كما انسحبت القوات الألمانية بشكل كامل من قاعدتها العسكرية الرئيسية في إقليم بلخ شمالي أفغانستان الاسبوع الماضي.
وأوضح، أن قرار الرئيس بايدن بالانسحاب ليس مفاجئًا لو أخذنا بعين الاعتبار تاريخ الرئيس الأمريكي ومواقفه من الحرب. فهو كان من الأصوات التي نصحت باراك أوباما في 2010 بالانسحاب بدل من زيادة عدد القوات، مقابل ترك قوة لمكافحة الإرهاب في دولة مجاورة. أوباما لم يصغ لنائبه يومها وأصغى للجيش واستمر في حرب وتكتيكات لم تفلح لا بهزيمة طالبان ولا بالنهوض بأفغانستان، فقد كثف مسلحو طالبان هجماتهم ونشطوا مرة اخري، بينما لم يتم احراز تقدم في مفاوضات السلام بين المسلحين والحكومة الأفغانية. وهناك هواجس من اندلاع حرب أهلية، بعد أن بدأ مدنيون مناهضون لطالبان حمل السلاح في أنحاء البلاد لمواجهة المسلحين ومنع انتشارهم وسيطرتهم على المدن والبلدات.
وأكد"تركي"، أن هذا انتصارا كبير لحركة طالبان فاليوم تخرج منتصرة فوق أشلاء الدولة المركزية في كابل، ومن خلال مفاوضاتها مع الأمريكيين عبر قطر وتركيا وباكستان، حتى لو لم تعد طالبان إلى الموقع القيادي الذي كانت فيه قبل الغزو في 2001، فهي القوة المسلحة الأكبر على الأرض وستهيمن على الأقل في جنوب البلاد، وستزيد من سيطرتها على مزيد من الاراضي في المستقبل بعد اخلاء أكبر قاعدة أمريكية كانت توفر الدعم الجوي للقوات الافغانية في حربها ضد الحركة والجماعات المسلحة.
وتابع: أن أمريكا تدرك انتصار طالبان وتراهن على انقسامات داخل الحركة نفسها وقنوات دبلوماسية ومقايضات معها تمنع العودة إلى تحالفها مع القاعدة. فهناك تداخل بين أمريكا وطالبان لمحاربة داعش التي تنافس الحركة الأفغانية وزاحمها في السيطرة على مزيد من البلدات والقيام بالعمليات الإرهابية، وفي ضمان تفاهم اقتصادي يتيح وصول المساعدات الإنسانية لأفغانستان، وحتى في المناطق التي تسيطر عليها الحركة.
وقال أستاذ العلوم السياسيه، أن باكستان والدولة المجاورة أحد أهم الرابحين من الانسحاب الأمريكي والطرف الخارجي الأقرب لطالبان فإسلام آباد لا تريد انهيار أفغانستان وفوضى تمتد إلى حدودها وانتشار للجماعات المسلحة وتنظيم القاعدة، وبالتالي ستستخدم نفوذها داخل الحركة لضمان مصالح الاثنين. وقد تتعاون أيضا مع واشنطن مقابل مساعدات وعلاقة عسكرية واستخباراتية وثيقة بواشنطن، وهو ما تتقنه باكستان على مدى عقدين من الزمن ومنذ دخل والولايات المتحدة إلى افغانستان، وهذا قد يعطي إدارة بايدن نافذة لإقامة قاعدة عسكرية أو ضمان وجود في باكستان للتدخل في أفغانستان، في حال اضطر الأمر، وتجهز باكستان نفسها لحصد مكاسبها بعد الانسحاب الأمريكي من تحالف قديم مع طالبان الطرف الأقوى في الداخل الأفغاني وكشريك ضروري جغرافيا واستخباراتيا للغرب بعد خروجه من أفغانستان. كما تأتي أوزبكستان أيضا ضمن قائمة الدول التي قد يختارها الجانب الأمريكي لمحاولة الحفاظ على وجود مجاور لأفغانستان، لمراقبة ومحاربة الخلايا الإرهابية هناك. والدول الغربية ستحاول أيضا توطيد علاقتها مع باكستان خصوصا في الجانب الاستخباراتي، لمنع خطط إرهابية تحاك في أفغانستان وتنشر الإرهاب والعنف داخل الدول الغربية كالتي رصدتها ألمانيا عام 2020.