السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مطامع دول الجوار العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كثيرًا ما يقال إن سياسات الدول ترتبط عادة برقعتها الجغرافية؛ فموقع الدولة يحدد جيرانها ومحيطها الإقليمي، والموقع الجغرافي قد يشكل ميزة نسبية لدولة ما، وقد يصبح على العكس ما يسمى بـ "مأزق الموقع"، والجغرافيا هي في حد ذاتها محايدة، ولكن ما يغير من هذا الواقع هو نظرة ومواقف الجيران إليها، والمبادئ التي تحكم تعاملها، وهي قد تؤدي إما إلى حالة من التعاون بين دول الجوار أو حالة من تصاعد التوتر والخلاف. وليست صدفة أن تكون إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا أشواكًا في الجسد العربي، كالذئاب التي تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على فريستها، ويجب أن ندرك أن إسرائيل ترقب ما يجري عن كثب، وتسعى لضرب العلاقات الطبيعية بين العرب وجيرانهم؛ لأن الدولة العبرية كيان خارجي لا علاقة له بالمنطقة، غير أنه من المعلوم أن الوطن العربي يقع بين أوهام الفرس والأتراك؛ حيث "الخزعبلات" التاريخية لعودة الإمبراطوريات القديمة، ولهذا ستظل علاقة العرب مع دول التخوم هاجسًا لا ينتهي في عالم متغير وعصر مختلف ومستجدات غير مسبوقة. فإيران دولة تسعى إلى الانتشار إقليميًا، وتركيا دولة تفكر في حزام إستراتيجي يضم إيران والعراق وسوريا، أما إثيوبيا فهي دولة جوار شديد الحساسية تجاه التاريخ العربي والإسلامي؛ ولكنها طرف أصيل في موضوع ملف مياه النيل والأبعاد التنموية المحتملة تبعًا للعلاقات العربية - الأفريقية عمومًا؛ حتى انقضت هي الأخرى على النيل بسد النهضة في التوقيت الذي تم التخطيط له زمنًا طويلًا بعد فوضى يناير؛ لتصبح كل دول الجوار العربي أشواكًا في وقت واحد؛ وبالطبع ذلك ليس مصادفة. فدول الجوار لدول الخليج العربية هي إيران وتركيا، ونتيجة لانقسام السودان لدولتين أصبحت دولة جنوب السودان دولة جوار جغرافي لكل من دولة السودان، إضافة لإثيوبيا، فضلًا عن الدول الأفريقية المتاخمة لكل من ليبيا والمغرب والجزائر، بالإضافة لإسرائيل المجاورة لمصر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ويضمُّ الوطن العربي أراضي احتلت أو أصبحت ضمن بلدان مجاورة مثل فلسطين، وهضبة الجولان ولواء إسكندرون والأقاليم الشمالية السورية التي سلمتها فرنسا إلى تركيا، وجزر الكناري وسبتة ومليلية، وهما تحت الاحتلال الإسباني، وعربستان وجزر طنب الكبرى والصغرى وأبوموسى المحتلة من إيران.
كما تمثل الحدود المصرية الأربعة مصدر قلق مستمر، حيث إن الأوضاع الملتهبة شمالًا وجنوبًا وشرقًا وغربًا لم تهدأ خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا مع تفجر أحداث ما سُمى «الربيع العربى» في البلدان المجاورة.
وتتحمل الدول الكبرى وأمريكا نفوذ الدول الإقليمية وبخاصة الولايات المتحدة. لقد اخطأت هذه الأخيرة حين اختارت تطبيق أسلوب توازن القوى لتنظيم علاقاتها بالقوى العربية والإقليمية في الشرق الأوسط والعلاقات بين بعضها البعض. أرادت إرضاء جميع الأطراف فعملت على تقويتهم جميعا وبنسب متقاربة. استخدمت هذا الأسلوب خلال الحرب الإيرانية العراقية، ثم دمرت العراق لتقصر المواجهة على السعودية وإيران. وراحت تسلح إسرائيل وتخلق منها وحشا إقليميا وسكتت عن تمدد تركيا وغضت الطرف عن الحروب الأهلية في إثيوبيا ومحاولات السيطرة على منابع النيل.
وخلال ذلك غابت الرؤية الإستراتيجية لدول المنطقة في التعامل مع دول الجوار وكانت آخر فكرة طرحت في القمة العربية الثانية والعشرين في مدينة سرت الليبية في مارس 2010 هي إنشاء "رابطة دول الجوار العربي"، وكان مقترحًا من عمرو موسى - وقت أن كان أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية - وبرر اقتراحه بأن الحوار ضروري مع من تختلف معهم، فبرغم حدة الخلافات التي كانت قائمة بين الدول العربية وإيران، فإن هذا لم يمنعهم من الحوار واستمراره. ولكن هذا المقترح الذي يعبر عن رؤية إستراتيجية بعيدة المدى، لم يحالفه النجاح عربيًا، بسبب حالة الضعف العربي – وقتئذ – والخشية من أن ينعكس ذلك على مخرجات ومضمون الحوار، وبالتالي سيزيد فيه العزم على الغرم، خاصة أن ما يحتاجه الإقليم بشدة في ظل هذه التطورات والتحديات المستمرة، ليس إبراز مزيد من "القوة الصلبة"؛ بل مزيج من تعزيز "القوة الناعمة"، مع إمكانية استخدام "القوة الصلبة" في حالات الضرورة.