في عام 1993 أصبح المهندس سليمان متولي وزير النقل يرأس جميع قطاعات النقل البري والبحري والجوي والسكك الحديدية إضافة إلى قطاع الاتصالات، وكان لي فرصة تقديم بعض الدراسات في فترته، ووجدت أن الرجل من حيث الكفاءة الإدارية غاية في التميز، ولا تتعطل أمامه أية أوراق ولا قرارات، وكانت لديه قدرة عجيبة على مراجعة محضر اجتماع أو مذكرة من عشرين صفحة أو أكثر، فيضع قلمه في دقائق على المفيد، ويبدي ملاحظاته الثاقبة.
ولأنني مهتم بقياس ورفع مستويات الآداء والسلامة في منظومة النقل، فقد تقدمت بمذكرة، وكان أساسها يتمحور حول ضرورة الاهتمام المالي والصحي والرقابي والثقافي والمعنوي والبيئي لفئة السادة قائدي القطارات. وأنهم يستحقون الاهتمام الفائق، وأنه لا بد أن نقضي على تلك الفوارق الموروثة والتي تجعلنا نوفر كل سبُل الدعم والتدريب الداخلي والخارجي والرواتب والمزايا والألقاب للطيارين والربابنة، ولا نلتفت لسائقي القطارات.
كما دللت على أهمية القطارات في مصر، وأنها تنقل مئات أضعاف ما تنقله الطائرات المصرية. كما أشرت إلى أن من يريد السفر بالطائرة من القاهرة إلى لندن أمامه عشرات شركات الطيران، أما من يريد السفر بالقطار من القاهرة إلى الإسكندرية، فليس أمامه غير سكك حديد مصرية واحدة.
والقطار في مصر يتفوق على الطائرة في وصوله إلى العواصم والمراكز والقرى والنجوع، أما الطائرة فلا تصل الا إلى المطارات (وليس كل المطارات) أما السفينة فلا تصل الا إلى الموانىء البحرية محدودة العدد ومحدودة المكان. ناهيك عن تعقيدات إجراءات المطارات والموانىء البحرية، وسهولة ذلك في القطارات.
لقد ساهم القطار في مصر، في تعليم وتشغيل الملايين من افراد هذا الشعب الكريم، عن طريق تقديم وسيلة نقل رخيصة، توفر مكانا للفقير والمتوسط والغني ولمن هو تحت خط الفقر، لنقلهم إلى المدارس والمعاهد والجامعات وأماكن العمل. فكم من مشاهير المهندسين والأطباء والادباء والكتاب، ما كان لهم ان يصلوا إلى ما وصلوا اليه دون وسيلة النقل بالقطار. وما كان لرب اسرة ان يُعيل اسرته لولا قيمة الاشتراك الضئيلة في القطار.
لقد صرح المهندس كامل الوزير مؤخرا بأنه سيعين مهندسين للعمل في قيادة القطارات. وكان قد سبقه إلى ذلك بأكثر من(نصف قرن!!) المهندس أحمد توفيق البكري، رئيس شركة مصر للطيران، حيث فتح الفرصة عام 1969 أمام الحاصلين على بكالوريوس الهندسة العاملين في شركة مصر للطيران للتقدم للعمل كطيارين في الشركة بعد اجتيازهم الاختبارات الطبية والشخصية والعلمية. ولم يكتف بذلك، بل قدم لهم التدرب والتعلم مجانا على حساب الشركة. وأيد بعده ذلك البرنامج، السيد المهندس أحمد نوح أول وزير للطيران المدني في مصر (عينه الرئيس السادات في يناير 1971)
خلاصة القول: ان منظومة السكك الحديدية ليست قطارات حديثة وسكك حديدية جديدة ومتينة، وصيانات يوميه ودوريه واشارات وأبراج تحكم إلكترونية ونظم حجز عصرية وشركات استثمارية لإدارة أصول الهيئة. لكن المنظومة وبذات درجة الأهمية تتضمن أيضا قوانين حديثة وأنظمة ولوائح متطورة ومعايير ومقاييس لمستويات الأداء ودراسات تحليلية واحصائية وبحوث وتطوير وتكنولوجيا ومنافسة وتفتيش ومتابعة وشفافية وحوكمة وحقوق مستهلك واهتمام بالقوى البشرية ماديا ومعنويا وتدريبيا وتعليميا وصحيا واجتماعيا وثقافيا ورياضيا، وخطة وتسويق وتمويل وجودة خدمة ومدونات سلوك ورؤية وإستراتيجية.
بذلك نضمن توازن بين جميع عناصر ومكونات المنظومة. انها مثل الهيكل الخرساني، لا بد أن تكون جميع أعمدته متسقة يساند بعضها بعضا، فتكون المنظومة قوية ولا تعاني من خلل قد يودي بها، أو يعطلها عن أداء مهامها المرجوة. وبالتالي تجد فكرة المهندس كامل الوزيري بيئة صالحة للنمو والاستدامة.
*زميل كلية الدفاع الوطني
*استشاري اقتصاديات وسلامة النقل